قرار حكومي عام خير من القرار الخاص
أصدرت بعض الهيئات الحكومية خلال الأيام الماضية جملةً من القرارات المتضمنة طيَّ قرارات سابقة بالفصل أو إنهاء الإجازة المأجورة وعودة الموظفين إلى أعمالهم، وهي بمجملها إيجابيةٌ ومبشرةٌ وبالاتجاه الصحيح. ورغم أنها حتى الساعة لم تتجاوز عددَ أصابع الكفِّ، إلا أنها تحمل دلالاتٍ وانعكاساتٍ ممتازة. ولكنها بالوقت ذاته مقلقةٌ؛ كونها تصدر مخصَّصةً بقوائمَ أسميةٍ انتقائيةٍ لعاملين بمؤسسات أو مديريات بعينها دون سواها. فالقرار الخاص بالسكك الحديدية مثلاً صدر باسم إدارة المؤسسة، في حين صدر قرار عمال المؤسسة العامة للحبوب وفروعها عن وزارة الاقتصاد والصناعة؛ أي أنه قرارٌ وزاريٌّ. فما الذي يمنع الوزارةَ من إصدار قرارٍ عامٍّ يشمل كافة الهيئات المنضوية تحتها؟
جلُّ ما نخشاه أن تكون القرارات انتقائيةً ووفق معاييرَ غير واضحةٍ، شأنها شأن القرارات الحكومية السابقة التي أضرت ضرراً بالغاً بالعمل والعمال معاً. فأصوبُ القرارات اليوم وأضمنُها هي التي تشمل جميع الوزارات والهيئات دون استثناءٍ أو تحييدٍ؛ كي لا نعود للمربع الأول. فالحكومة السابقة حين تراجعت عن العديد من قرارات الفصل أو عدم تجديد العقود أو إلغائها، لم تقم بذلك إلا بعد أن حدث خللٌ في عمل مؤسسةٍ أو مديريةٍ، كما حصل بالقطاع الصحي والتعليمي والمصرفي. وهذا ما جعل التراجعَ عن القرارات ترقيعياً وذا تأثيرٍ نسبيٍّ، لا يحل المشكلة المركبة من تداخل مصلحة العمل والعمال معاً. وبالتالي، فإن أي محاولة لفصل المصلحتين ستضر حتماً بالأخرى. لذلك، لا بد من وضع الحصان أمام العربة من جديد، وإلغاء كل القرارات السابقة، ثم وضع المعايير التي يكون ضابطها الأساس مصلحةَ العمل والعمال معاً.
الأولوية لإلغاء القرارات السابقة
لا بد أن تتجنب الحكومةُ التي باشرت أعمالَها أخطاءَ الحكومة السابقة التي لم تحدد أهدافها مسبقاً، ولم تضع الخطط اللازمة والموصلة إليها، فغابت البرامج وحضر الارتجال والتخبط، وعمَّت الفوضى. إلا إن كان هدفها الفوضى ذاتها، فإنها نجحت بذلك أعظمَ نجاحٍ! يضاف إلى ذلك حرمانُ عمال القطاع العام من الحد الأدنى للأمان الوظيفي والمعيشي، مما زاد الطين بلةً، ودفع خطوةً إضافيةً باتجاه المخاطر والمهالك الكبرى للبلاد والعباد.
فالأولويات هنا مهمةٌ جداً، وليس من الصواب تقديمُ إحداها على الأخرى دون درايةٍ أو دراسةٍ عميقةٍ. فالملاكات البشرية العددية للقطاع الحكومي - بغالبيته - ليست فائضةً أو فاسدةً. ولتحديد ذلك، لا بد من العمل بجديةٍ ضمن أولويةٍ أساسيةٍ، وهي الحفاظ على العمال وحقوقهم بعيداً عن أي معاييرَ خارج إطار المعيار الحقوقي والوظيفي الوطني الجامع. وهذا ما يضمن فرز العناصر الفاسدة دون أخطاء تذكر.
حقوق العمال أولاً
حين تكون المفاضلة في هذه المرحلة بين أهمية الأمان الوظيفي لموظفي القطاع العام وبين أهمية إعادة الهيكلة، فمن الطبيعي أن تكون لصالح الأمان الوظيفي، والتعاطي معه كثابتٍ، لتصبح إعادةُ الهيكلة هي العنصر المتغير الذي يحتاج للتعامل الذكي والجاد معه؛ كي يتناسب مع ضرورة حفاظ العمال على وظائفهم. فمثلاً، إن كان هناك خمسون عاملاً لا يوجد لهم عمل، يجب إحداثُ أعمالٍ لهم أو تأهيلُهم لأعمال جديدةٍ، لا فصلُهم أو التفريطُ بهم وبخبراتهم. وهذا ما يجب أن ينطبق على منشآتهم؛ فبدل أن نقوم بخصخصة هذا المعمل أو ذاك، نقوم بتشغيله، فنكسب المعملَ والعمالَ. وعلى هذا القياسِ نستمر.
ولسنا نبالغ إن قلنا إنّ واقعَ القطاع العام اليوم يحتاج لزيادة الملاكات العددية على قاعدة حاجة البلاد لقطاعٍ عامٍّ إنتاجيٍّ يكون رأسَ الحربة وقاطرةَ النمو الاقتصادي لسورية، وقطاعٍ عامٍّ خدميٍّ يكون لفقراء سورية قبل الأغنياء منهم. وأما الفسادُ - الكبير منه والصغير - فليس من الصعوبة انتزاعُه من القطاع الحكومي ضمن القوانين والأنظمة، إن توفرت الإرادةُ والإدارةُ السياسية لذلك.
من هنا، يجب على الحكومة المسارعةُ بطي كل القرارات السابقة بقرارٍ حكوميٍّ واحدٍ صادرٍ عن الحكومة ككلّ، والمضي باتجاه اقتلاع الفساد، والنهوض بالإصلاح والنمو.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1222