نقاباتنا مطواعة ولطيفة
ترهُّلُ وضعفُ العمل النقابي هو نتاجٌ موضوعيّ لمرحلة تاريخية على مستوى العمل النقابي، تبدأ من ركون العمل النقابي تحت العباءات الحزبية الضيقة، إلى غياب الأساليب والأدوات النضالية في برامج الحركة النقابية، وغياب الأسئلة الضرورية في تقاريرها السنوية أمام مؤتمراتها: لماذا نمارس العمل النقابي؟ وماذا نريد من العمل النقابي؟ ومَن هم أعداؤنا الطبقيّين؟
عام 1948 صدرت عن المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية اتفاقيةُ العمل الدولية رقم /87/ الخاصة بشأن الحريات النقابية وحماية التنظيم. وصادقت عليها سورية حسب ما نشر في الجريدة الرسمية في عدد حزيران عام 1960. تُعتبَر هذه الاتفاقية المرجعَ الأساسيّ للحقّ في التنظيم وحرية التعبير. وقد أشارت الجمعية العامة للأمم المتحدة وإعلان فيلاديفيا إلى أنّ «حرية التعبير والحرية النقابية» هما شرطان أساسيان لأيّ تطوّر أو تقدّم في المجتمع. وأكّدت هذه الاتفاقية على أنّه يحقّ للعمّال تشكيل المنظمات التي يختارونها أو الانضمام إليها، وذلك دون الحاجة إلى إذن مسبق أو الوصاية عليها من أية جهة كانت. ولهذه المنظَّمات الحقّ في إعداد القواعد الأساسية لها والأنظمة الإدارية التي تعمل بموجبها، وأيضاً انتخاب ممثليها في حرية تامّة دون أيّ تدخل أو وصاية من أيّة جهة كانت، ولها الحق في تنظيم نشاطاتها المختلفة من مؤتمرات واحتجاجات وغيرها، وصياغة برامجها الكفاحية. فقد جاء في المادة /3/ فقرة /2/ من هذه الاتفاقية: «تمتنع السلطات العامّة عن أي تدخل من شأنه أن يحدّ من هذا الحق أو يعيق ممارسته». كذلك حمت الاتفاقية منظمات العمال النقابية من أن تكون عرضةً للحلّ أو وقف نشاطها من السلطات التنفيذية، وكذلك أتاحت الاتفاقية لمنظمات العمّال الحقَّ في تشكيل اتحادات عامة أو أية منظمات ممثّلة لها. ولهذه الاتحادات الحق في الانضمام أو الانتماء إلى المنظمات الدولية للعمّال. ويجب على دستور البلاد والقوانين النافذة ألّا تمسَّ الضمانات والحقوق المنصوص عليها في هذه الاتفاقية.
إنّ حال الطبقة العاملة اليوم في أسوأ ما يكون على كلّ المستويات والصُّعُد، وبالأخصّ منها الأوضاع المعيشية المتردّية التي عمّت الغالبية العظمى من المواطنين، ولكن ما يزال الخطاب السائد لدى الحركة النقابية جارٍ على أساس ونموذج العامل المثالي الذي يعمل بوطنيّته، وقائمٌ على أساس «نحن وأرباب العمل في خندق واحد» - سواء في القطاع الخاص أو قطاع الدولة. وهذه السياسة تتجاهل واقع الطبقة العاملة لا بل توحي بأنّ هذا الواقع الرديء الذي يعيشه العمّال هم المسؤولون عنه بسبب ضعف إنتاجهم.
هذا مرضٌ خبيث أصاب النقابات، وينبغي استئصاله من أساليب عمل النقابات، وهو من الأمراض التي تشكل خطراً حقيقياً وتهدد استقرار واستمرار العمل النقابي وتطوُّرَه في خدمة مصالح العمال الرئيسية المناطة بالتنظيم النقابي.
إنّ نقاباتنا ما زالت مِطواعة ولطيفة!! تصمت عندما يتمّ تهميشها وتجاهلها أو إقصاؤها، وترقص فرحةً، وتبدأ بكيل المديح والثناء عندما تُقدِّمُ لها السلطاتُ التنفيذية بعضَ الفُتات من مطالب أو حقوق العمال المشروعة والتي لا تُسمِن أو تغني من جوع.
هذا ما نلاحظُه في النشاطات النقابية كافة، من مؤتمرات سنوية وغيرها، منذ عدة عقود. المسار الحالي الذي تعيشه الحركة النقابية لا بدّ له من تغيير، ولا بدّ من إعادة بنائها الكفاحي التي وُجِدت من أجله، بالدفاع عن حقوق العمال وتحقيق مصالحهم، التي فقدتها خلال المراحل السابقة وخاصة الأجر العادل الذي يحقق تلك الحياة الكريمة للعاملين بأجر الكادحين كافة، وذلك بالابتعاد عن أساليب الاستجداء والترجّي أو التفضُّل والإحسان، أو التوسّل أثناء المطالبة بحقوقِ مَن تمثّلهم وهم العاملين بأجرٍ كافة، والذي مارسته النقابات خلال تلك المراحل، ووضع السلطات التنفيذية أمام مسؤولياتها وواجباتها، بعيداً عن هذا الترجّي والاستجداء والمديح. وإنّ أيّ مطلب أو حقّ يحصل عليه العمال سواء بزيادة أجور أو غيرها، ليس منّة أو عطاء من قِبل السلطة التنفيذية بل هو واجبٌ وحقٌّ عليها أنْ تقوم به، ونحن ندرك أنّ هذا الأسلوب في العمل النقابي ليس متجذّراً في الحركة النقابية، ويخالف الأسس والقواعد والأسباب التي نشأت الحركة النقابية من أجلها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1175