ثلاث سنوات لإقرار قانون!!

ثلاث سنوات لإقرار قانون!!

قدمت وزيرة التنمية الإدارية الدكتورة سلاف سفاف رؤية وزارة التنمية الإدارية لتطوير الوظيفة العامة، وتحديث القوانين الناظمة لها منذ سنتين تقريباً عبر الاستعاضة عن قانون العاملين الأساسي بأربعةِ قوانين؛ قانون الخدمة العامة والذي يحدد نوع الوظيفة العامة، ويتضمن: نظام المراتب الوظيفية والقواعد العامة في القطاع الإداري، ومبادئ وأسس أنظمة العمل، والعاملين بالقطاع الاقتصادي، إضافة إلى تحديث سلالم الأجور والحوافز والتعويضات، وقانون إدارة الموارد البشرية من التعيين إلى التقاعد، وحقوق وواجبات العاملين الوظيفية، ومعايير تقييم الأداء الوظيفي، وقواعد التوصيف الوظيفي إضافة إلى أسس ومبادئ التدريب، وقانون التنظيم المؤسساتي، ويتضمن: إحداث الجهات العامة وقواعد التنظيم المؤسساتي، وقانون مبادئ وقيم الوظيفة العامة، وواجبات الموظف السلوكية ومسؤولياته العامة.

وقد صرحت وزيرة التنمية الإدارية منذ يومين أن قانون الخدمة العامة سيكون جاهزاً خلال ثلاث سنوات دون إيضاح أي تفاصيل أخرى تتعلق بهذا القانون ولماذا سيستغرق كل هذه الفترة الزمنية الطويلة لإعداده.
وقد صرحت عدة مرات مصادر من وزارة التنمية الإدارية خلال السنوات الماضية عن خطط الوزارة لتعديل قانون العاملين الأساسي بالدولة وشكلت عدة لجان قانونية لإعداده، وتحدثت مصادر أخرى عن خطط لإقرار قانون للعاملين في الدولة يقوم على مبدأ التفريق بين الوظائف العامة وتخصيص كل فئة معينة بقانون خاص بها، وتتحدث مصادر من الوزارة عن نيتها تطوير مفهوم الوظيفة العامة والارتقاء بها دون توضيح أي تفاصيل أخرى حول هذا المعنى وما المقصود منه.
الوزارة وضعت حلولاً من وجهة نظرها، حيث رأت أن المشكلة الأساسية في القطاع العام هي قانون العاملين الأساسي بالدولة، وقررت بموجبها ضرورة إصدار أربعة قوانين بدلاً من قانون العاملين الأساسي، ولكن الوزيرة لم تقدم شيئاً جديداً، بل جُلّ ما قامت به أنها خلطت العديد من الأمور بقانون العاملين الأساسي، وفصلت بين أبواب قانون العاملين الأساسي لتضع لكل باب قانوناً خاصاً به، بما يعقّد قوانين العمل ويشعّبها أكثر، ويصبح من الصعب على الموظف أو العامل الإلمام بقوانين العمل أو حتى معرفة حقوقه وواجباته بسبب وجود أربعة قوانين عمل، فمن المفترض أن تكون القوانين الخاصة بالعمال قوانين صريحة وواضحة وغير متشعّبة.

تعديلات شكلية

لا بدّ من الإقرار بأن المؤسسات الحكومية والرسمية والوظيفة العامة بحاجة إلى تطوير وبحاجة إلى عملية تغيير في الأدوات والسلوك، بما فيها القوانين التي لا بدّ أن تكون بمشاركة أصحاب المصلحة الحقيقية؛ العمال وأصحاب الأجور، ليحدّدوا موقفهم منها استناداً إلى مصالحهم وحقوقهم التي اعتدت عليها الإدارات بسلوكها واعتدت عليها القوانين النافذة التي هي منحازة تماماً لأرباب العمل سواء في قطاع الدولة أو في القطاع الخاص.
نقطة الانطلاق من تطوير الوظيفة العامة هي إعادة الاعتبار لمفهوم الموظف العام والمحافظة على كرامته من خلال تأمين حياة لائقة لكي يقوم بمهامه على أكمل وجه، ودون أن يسعى إلى الهروب والاستقالة أو التسرب الغير القانوني من الوظيفة العامة بسبب تدني الرواتب والأجور، الذي وصل إلى حد لا يطاق؛ حيث بلغ معدل التسرب من الوظائف العامة والحكومية ما نسبته 40% وغالبيتهم من الشباب، وهذه نسبة خطيرة أثّرت وتؤثّر بشكل واضح على عمل المؤسسات الحكومية، وأصبح العزوف عن التقدم للوظائف الحكومية هو السّمة الأبرز لهذه المسابقات.

تغييرات جوهرية يتطلبها قطاع الدولة

لا نجاح لأيّ عملية تغيير قانوني وبالتالي إداري أو تطوير للوظيفة العامة دون النظر في توزيع الثروة المنتجة، التي لا بدّ أن تكون لصالح منتجيها، ودون خطوات حقيقية لمكافحة قوى النهب والفساد الكبيرين اللّذين ينهشان بالمؤسسات الحكومية ومرافقها كافة، حيث بات الفساد هو من يوجه جهاز الدولة لخدمة مصالحه، ودون تغيير نظام الأجور والرواتب الذي يجب أن يأخذ حصته الشرعية من ميزان توزيع الثروة والدخل الوطني. ويبقى الحديث عن التطوير والتحديث والتغيير القانوني في هيكلية الوظيفة العامة مجرد كلام معسول وأوهام ليبرالية مشكوك بمصداقيتها، هدفها الحقيقي دفن مفهوم الوظيفة العامة وإنهاء القطاع العام.
لماذا لا تتقيّد وتسير وزارة التنمية الإدارية وفق الدستور السوري لعام 2012 الذي شدّد على أهمية المحافظة على القطاع العام ودوره في المجتمع، وعلى الوظيفة العامة، من خلال اعتماد العدالة الاجتماعية كنظام اقتصادي وربط الأجور بالأسعار، ممّا يتطلب وجود جهاز دولة قويّ، وهذا عكس ما تروّج له الوزارة في تصريحاتها التي تشدّد على ربط الأجور بالإنتاج، والذي هو أساساً في أدنى مستوياته بسبب السياسات الحكومية التي تتعمّد تخفيض الإنتاج تمهيداً لخصخصة المؤسسات الحكومية وإنهاء مهامها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1172
آخر تعديل على الإثنين, 06 أيار 2024 18:04