الزلزال وحقوق العمال

الزلزال وحقوق العمال

لهيب الغلاء لجميع المواد يلسع كافة العاملين بأجر. وتتبخر أجور العمال بعيد ساعات قليلة من استلامها. فقد أصاب الإنهاك كافة المواطنين وخاصة العاملين بأجر خلال العقدين الأخيرين. وبات ارتفاع الأسعار يركض بتسارع كبير بفعل سياسات اقتصادية تنتهجها الحكومة التي تحمي قوى النهب والفساد التي تملي شروطها وبرنامجها النهبوي. وما تشهده البلاد من الظواهر الاجتماعية تدل على تفكك خطير في المجتمع بسبب هذه السياسات والتدهور الكبير في الحياة المعيشية، من ارتفاع نسب الجريمة من نهب وسلب سرقات مختلفة منها سرقة عدادات المياه للمنازل في مناطق عدة، وانتشار إدمان المخدرات، وجرائم الشارع، والتشرد… وغيرها.

التذرع بالظروف الدولية والحصار والحرب الكونية على البلاد ما هو إلا لتبرير الأزمات الداخلية المتتالية ونفض الدولة يدها اتجاه مسؤولياتها عمّا يحصل من كوارث مختلفة تصيب البلاد ويبدو أن ليس آخرها كارثة الزلزال، هو خداع مكشوف. كي تجني هذه القوى المزيد من الأرباح ودفع الخسائر المترتبة عليها على كاهل الكادحين والعاملين بأجر. وإلا ماذا يعني رفع سعر المازوت للصناعيين في اليوم التالي للكارثة الزلزالية التي حلت في البلاد. إن مواجهة التضخم الكبير وحماية العاملين مستحيلة دون نضال الحركة النقابية لإجبار الحكومة على العودة عن هذه السياسات الاقتصادية ورفع الضرائب المستمرة والمتصاعدة عن كاهل المواطنين وخاصة العاملين بأجر.

في الثالث عشر من الشهر شباط الجاري كان الاتحاد الدولي لنقابات العمال قد أصدر دراسة مهمة سلط الضوء من خلالها، على إستراتيجيات عمل النقابات الناجحة لتحقيق الحد الأدنى للأجور والمعيشة وشملت عدداً من عينات اتفاقيات وتشريعات تتعلق بأجر الحد الأدنى وضرورة رفعه وتأثير ذلك على المستوى المعيشي للعمال أولاً، وعلى الوضع الاقتصادي في البلدان وانتعاشه. وأشارت إلى أنه بالرغم من الارتفاع الملحوظ في الناتج الإجمالي في العالم خلال العقود الثلاثة الماضية، إلا أن الحد الأدنى للأجر خاصةً وأجور العمال عامةً لم ترتفع بهذا المعدل. وبينت الدراسة: أن ملايين العمال في العديد من بلدان العالم لا يحصلون على ما يكفي للعيش في كرامة، وأن أنظمة الحماية الاجتماعية غير كافية، مما يعني فقدان العيش الكريم والعمل اللائق، حيث إن أجر معظم المواطنين في بلادهم لا يكفي للعيش، بل لا يكفي للحد الأدنى من العيش بكرامة.

وتشير الدراسة إلى أن ظاهرة عدم تطبيق أصحاب العمل والحكومات رفع الحد الأدنى للأجور متفشية في عدد من البلدان. وأن إمكانية تنظيم العمال في تنظيم نقابي وإجراء مفاوضات جماعية من أجل الأجور العادلة تتعرض للخطر في معظم هذه البلدان حيث تتعرض الحقوق النقابية إلى الهجوم المستمر. كما تؤكد الدراسة على أن الحد الأدنى للأجور الذي بين 1,9 دولار أمريكي و3,1 دولار أمريكي. لا يكفي للعيش في مختلف الدول خاصة في ظل الارتفاع المسعور للأسعار حالياً. ونوهت الدراسة إلى بعض الأمثلة من دول قامت بمقاربة أجر الحد الأدنى مع التكلفة الأساسية للمعيشة، مما كان له أثر إيجابي على وضع العمال وأسرهم، وكذلك على الوضع الاقتصادي عامة، حيث انتعش الاقتصاد وارتفع عدد فرص العمل، كما ارتفع دخل أصحاب العمل ودخل العاملين بأجر، الذي بدوره أدى إلى تحسين وضع المواطنين بشكل عام. وهذا يؤكد ما كنا قد قلناه في أعداد سابقة وما نقوله دائماً إن ضرورة رفع أجر الحد الأدنى، يؤدي إلى انتعاش وضع العمال من جهة وإلى تحريك العجلة الاقتصادية وتطورها من جهة أخرى. أما ادعاء الحكومة بأن رفع الحد الأدنى للأجور خاصة والأجور عامة سيؤدي إلى انهيار الوضع الاقتصادي، وزيادة في التضخم، ما هو إلا كلام لذر الرماد بالعيون، وهدفه الأساسي الاستمرار في استغلال العمال، وتكديس الثروات في جيوب قوى النهب والفساد على حساب العمال أولاً وأخيراً. وتؤكد أن استمرار الحكومات في سياساتها بعدم رفع أجر الحد الأدنى والأجور عامة في ظل موجة الغلاء وارتفاع تكلفة المعيشة والتضخم المالي، تؤدي إلى مزيد من تدهور وضع العاملين بأجر وسقوطهم في مستنقع الفقر المدقع، وتعميق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1111