حياة لا إنسانية للعمال
ربما لم تعش الطبقة العاملة في سورية أسوأ من الظروف التي تمر فيها اليوم والتي يتحالف فيها رأس المال العالمي الذي يفرض عقوبات على الشعب السوري مع قوى الفساد الداخلية ضد مصلحة الأغلبية من السوريين وخاصة الطبقة العاملة.
مع توقف صوت المدافع والقصف والطائرات تعالى صوت الفقر وسمع أنين الجوع في أرجاء الوطن ليكشف سياسة السلطة الاقتصادية التي أفقرت السوريين منذ عام 2005 والتي بانت نتائجها من اليوم الأول لانفجار الأزمة ولكن الحل الأمني وصوت المدفع كان أقوى من صوت الجوع والخوف على الحياة وتجنب الموت كان الشاغل الوحيد للمواطن.
ظروف حياة مشابهة للقرون الوسطى
ظروف معيشية مأساوية يعاني منها العمال بسبب قوانين العمل وشروطه وظروفه مع الارتفاع الجنوني للأسعار وانخفاض قيمة العملة وتجميد الأجور وانسحاب الدولة من الحياة الاقتصادية والاجتماعية ورفع الدعم والتدني الفاضح في مستوى المعيشة، حيث الأجر الشهري للعامل لا يكفي وجبة كاملة ليوم واحد أو يومين في أحسن تقدير، ناهيك عن الصعوبة في الوصول إلى أماكن العمل نتيجة أزمة المحروقات والمواصلات والتي تكلف العامل جل معاشه.
فأي عامل اليوم يعود إلى منزله منهكاً لا يجد متسعاً للوقت للإحساس بالحياة والاستمتاع مع أسرته ولا يشعر بما يدور حوله من أحداث وجل همه هو إمضاء لياليه التعيسة والمظلمة مفكراً بما ستحمله له الأيام من مصاعب ومشكلات، ريثما يغلبه النوم الذي ينسيه مآسيه ومرارة الواقع ويرى بالنوم المهرب من الواقع الأليم.
أي مستقبل في ظل هذه الظروف
المستقبل والتفكير فيه بالنسبة للعمال اليوم وجل السوريين بات شيئاً خيالياً وبات التخطيط له ضرباً من الجنون فالأفق مسدود لتأمين لقمة اليوم فكيف له وأن يتجرأ ويفكر بمستقبله الأسري أو المهني أو بمستقبل أولاده، فكان العامل قبل ذلك يعمل كل ما في وسعه على أن يكمل أولاده تعليمهم ويحصلوا على شهادات عليا ومهن مرموقة لكي يؤمنوا لأنفسهم حياة أفضل من ذويهم ولكن تدهور التعليم الحكومي إلى أدنى المستويات والارتفاع الخيالي بأقساط المدارس الخاصة حرمهم حتى من هذا الحلم الوحيد وبات ضغط الحياة المعيشية يجبر صغارهم على ترك مقاعد الدراسة والتوجه إلى العمل أيضاً لتأمين لقمة العيش حيث وصل معدل التسرب المدرسي إلى 22% كما أعلن وزير التربية، ولكن لم يشر إلى أسباب هذا التسرب الحقيقية.
أين الحكومة من كل هذا
الحكومة من جهتها ليست غائبة كما يظن البعض بل موجودة وبقوة ولكنها تقف في صف المستثمرين والتجار وقوى الفساد وتعمل جاهدة لزيادة مرابحهم وتشريع نهبهم لجهاز الدولة والمجتمع ولو على حساب 90 % من السوريين وكل يوم تصدر قوانين تصب في هذا الاتجاه وترهق المواطن والعامل بضرائب ما أنزل الله بها من سلطان، كل ذلك لأنها ومع تدني مستوى المعيشة لا تجد سوى جيوب العمال لتحصل منها فاتورة الفساد وفاتورة العقوبات، قائمة بذلك سداً منيعاً بوجه كل من يقترب من جيوب الفاسدين حتى وإن كان هذا يتسلح بنصوص دستورية، فالدستور مفصل على قياس قوى الفساد، ويمنع الاقتراب أو تطبيق النصوص التي تنصر الطبقة العاملة، وهذه النصوص ما هي إلا حبر على ورق وضعت لامتصاص غضب الحركة الشعبية عند انطلاقتها.
عدا عن القوانين والقرارات التي تصدر كل فترة والتي تنص على رفع الدعم عن المواطن وتقنين توزيع المواد الأساسية إلى أدنى مستوياته بدءاً من الخبز إلى المحروقات والمواد التموينية والتي يخترع كل فترة اختراع جديد لتوزيعها يتم تجربته على المواطنين بعد فشل الوسائل السابقة ويتم تحميل وزر كل هذا للعقوبات، ومع أن العقوبات ليست بجديدة على السوريين ولكن على ما يبدو أن السلطة لا تريد مواجهة العقوبات ولا إيجاد حلّ لها لأنها تأتي خدمة لقوى الفساد حيث تزيد الأخيرة من نهبها بحجة العقوبات.
الحل الوحيد للخروج من هذه المأساة هو الحل السياسي للأزمة السورية وإنجاز التغيير الجذري والشامل الذي يسمح للعمال بالتعبير عن أوجاعهم والدفاع عن مصالحهم بكل ديمقراطية وانتخاب ممثليهم في منظماتهم لتكون منصة لهم وليست عليهم بوجه قوى الفساد.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1097