مؤشرات تصاعد الحركة العمالية العالمية
هناك كتلة عمالية كبيرة تتحرك عبر العالم في هذه الفترة، وتبدع الحركة العمالية أساليب النضال، وتجيد صياغة المطالب الضرورية لطبقتها. ونستطيع القول إن منسوب الحركة العمّالية في ارتفاع ملحوظ من خلال عدة مؤشرات تستطيع تقديم بعض الأجوبة عن السؤال المهم: إلى أين يسير العالم الرأسمالي؟
الإضراب الكوري والإيطالي
بتاريخ 20 تشرين الأول 2021، أضرب عن العمل ما لا يقل عن نصف مليون عامل في كوريا الجنوبية من مختلف قطاعات البناء والنقل والخدمات والقطاعات الأخرى ليوم واحد فقط في حركة واسعة لعمّال المدن والعمال الزراعيين في الريف.
وجرى هذا الإضراب للضغط على الحكومة من أجل فرض ظروف عمل أفضل للعمال غير النظاميين ورفع الحد الأدنى للأجور. وتبع الإضراب مظاهرات عمالية حاشدة في مراكز المدن والمراكز الزراعية الريفية. وذلك تحضيراً للحركة الأكبر والتعبئة الوطنية العمالية لجميع الناس في كانون الثاني 2022.
يقود الإضراب اتحاد النقابات العمالية الكوري (KCTU)، وهو أكبر تنظيم نقابي عمالي في البلاد. ويبلغ عدد أعضائه 1,1 مليون عضو. وتقدمت النقابات خلال الإضراب بعدة مطالب أبرزها:
إلغاء العمل غير المنظم بمختلف مسمياته (العمل بدوام جزئي أو المؤقت أو التعاقد مع مزايا قليلة بدون فوائد وغير ذلك) وتوسيع نطاق حماية العمال ليشمل جميع العمال في البلاد.
منح العمّال حق إصدار القرارات الاقتصادية في أوقات الأزمات.
تأميم الصناعات الرئيسية وإضفاء الطابع الاجتماعي على الخدمات الأساسية مثل التعليم والإسكان.
أما في إيطاليا، فقد دعت النقابات العمالية الإيطالية إلى إضراب وطني عام ضد السياسات الليبرالية للحكومة. وشارك الآلاف في هذا الإضراب منتصف تشرين الأول في مختلف أنحاء إيطاليا.
حيث احتجت النقابات العمالية والطلابية في إيطاليا على الاعتداءات على حقوق العمال، وسياسات الحكومة في ظل الوباء. والهجمات الفاشية الأخيرة على مقرات نقابات العمال.
كما شهدت إيطاليا خلال الشهرين الأخيرين زيادة في احتجاجات العمّال عبر مختلف القطاعات بما في ذلك الطيران والسيارات والمنسوجات والخدمات اللوجستية حيث قامت الشركات الكبرى بخفض حقوق العمال وتنفيذ عمليات تسريح جماعي للعمال. وهذا ما دفع النقابات الكبرى إلى قيادة الإضراب قائلين: يفقد آلاف الأشخاص وظائفهم، ولا يمكننا السماح للشركات والحكومة بإجبار العمّال على دفع تكلفة هذه الأزمة كما حدث عام 2008. فليدفع أرباب العمل والحكومة ثمن هذه الأزمة.
الأجور البريطانية والألمانية
أصبحت سياسة تخفيض أجور العمال قاب قوسين أو أدنى في ألمانيا، بينما بدأت بريطانيا تطبيق هذه السياسة وسط معارضة الصحف والنقابات.
وإن كان وقع الأزمة على الإنكليز أثقل من الألمان، على الأقل حالياً. إذ شهدت بريطانيا أزمة وقود خلال الأسابيع الماضية. وتشهد الآن أزمة الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي. وبدأت المظاهرات في أنحاء مختلفة تطالب بضمان صحي للعمال وحل قضية السكن ومنع تخفيضات الأجور. وحذرت النقابات العمالية والصحف التقدمية من ارتفاع منسوب القمع في بريطانيا. إذ قدرت الصحف والنقابات وبعض المؤرخين أن بريطانيا تعيش على أبواب لحظات تاريخية شبيهة بحركات العمال الكبرى في القرن التاسع عشر حسب تعبيرهم. أما الأصح، فإن الحركة العمالية البريطانية ذاهبة إلى الأمام إلى العام 2022 وليس إلى الوراء إلى العام 1842. وخلال هذا الطريق، سيتعلم العمال من تجارب الماضي للمضي قدماً إلى الأمام.
الكتلة العمالية الأمريكية
كان تشرين الأول شهراً حامياً أمريكياً. إذ تستمر مفاعيل الأزمة الأمريكية بصور مختلفة. لعل أشهرها إعلامياً هي حالة الصراع بين عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي ووقوفهم أمام جدار عظيم لا يمكن كسره. فلا إنشاء وسائل جديدة يحل الأزمة. ولا تغيير المسميات سيمنع الموت عن المنظومة.
أما عند العمال فالصورة مختلفة، إذ يمكن القول إنّ العمال الأمريكيين يستخدمون الآن المنظمات النقابية وأسلوب المجالس العمالية في صراعهم مع رأس المال. ولعل أبرز مثال على ذلك التصويت الذي شارك فيه الآلاف من عمال الصحة قبيل إضرابهم. والتصويت الذي شارك فيه 60 ألف عامل في هوليود (كامل الساحل الغربي).
ونضيف إلى ذلك، هناك كتلة عمالية كبيرة تتحرك في الولايات المتحدة خلال الأشهر الماضية فإضراب عمّال صناعة الآلات الزراعية جوندر شارك فيه 10 آلاف عامل. وإضراب عمال الصحة بمشاركة عشرات الآلاف. بينما استمر إضراب المناجم الأمريكية الضخم 4 أشهر على سبيل المثال.
في شهر تشرين الأول، هدد 100 ألف عامل صناعي بالإضراب في إنحاء الولايات المتحدة وانتهى ذلك إلى تسويات وانتزاع مكاسب جزئية مقابل عدم الإضراب. وشارك عشرات الآلاف في إضرابات مصانع ميتشيغان وتينيسي ونبراسكا وبنلسفانيا وغيرها. وأطلقت وسائل الإعلام الأمريكية على شهر تشرين الأول، أكتوبر، اسم (سترايكتوبر) أي تشرين الإضرابات. كما بدأت الولايات المتحدة تشهد شيئاً جديداً: إضرابات مستأجري البيوت عن الدفع لأصحاب العقارات. ونشأت لجان المستأجرين في مختلف الولايات من أجل تنظيم حركة على مستوى البلاد. حيث اقتنع المستأجرون أن الإضرابات الصغيرة مثل إضراب مستأجري بناء واحد أو مجموعة أبنية لا يؤدي إلى نتيجة. كما امتدادات حركة الـ 15 دولاراً للساعة الواحدة التي ظهرت عام 2018 ما زالت مستمرة.
النقابات المزيفة في أستراليا
في استراليا، أطلقت صحيفة ووركرز ويكلي غارديان تحذيراً من النقابات المزيفة التي ينشئها أرباب العمل والحكومات من أجل امتصاص الحركة العمالية ومحاولة تفريغها من مضمونها أو حرفها عن أهدافها. ودعت الصحيفة عمال أستراليا إلى تشديد النضال.
فرسان الأمل
في المكسيك حدثت قصة صغيرة، ولكنها كبيرة في معناها. إذ بدء 2000 مهاجر أمريكي جنوبي مسيراً يشبه ذلك المسير الذي أطلقه فارس الأمل البرازيلي قبل حوالي قرن رغم اختلاف الحجم بين الحدثين. إذا كان المهاجرون محتجزين في أحد المناطق النائية قسراً في ظل انتشار الوباء. وقد ذهبت مطالبهم بالعلاج والحياة أدراج الرياح.
وقرر 2000 مهاجر إثر ذلك كسر الحصار والذهاب سيراً على الاقدام إلى العاصمة المكسيكية البعيدة من أجل الحصول على العلاج رغم أنف الشرطة والسلطات.
أزمات الغاز المنزلي
ارتفعت أسعار الغاز المنزلي في الهند بنسبة 50%. وحسب الصحف الإكوادورية بدأت الشرطة تطارد محتكري الغاز المنزلي. ولكن القصة المهمة ليست هنا. حيث بدأ الإكوادوريون إضراباً عامّاً على مستوى البلاد ضد رفع أسعار الغاز. محتجين على الخطة التي يعدها رئيس البلاد لرفع أسعار الغاز التي تضيف عبئاً ثقيلاً على العمال.
احتلال المصانع
في فنزويلا حدثت قصة صغيرة. حيث استولى العمال على أحد المصانع التي كان يملكها رأسماليون أجانب قرروا الهرب وتسريح العمال.
رفض العمال الاستسلام، وسيطروا على المعمل وسيّروا تشغيله جماعياً. وأصبح يعرف منذ نهاية آب الماضي باسم «المعمل الاشتراكي». وكتب على منتجات المعمل الغذائية باللون الأحمر «صنع في ظل الاشتراكية».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1042