بصراحة... ما بعرف شي؟
التقيت بعاملة خمسينية العمر تعمل منذ سنوات في معمل للألبسة الجاهزة، دار حديث طويل حول أوضاعها المعيشية باعتبارها هي المعيل الوحيد لأسرتها، بعد فقدها لزوجها وابنها، فتحدثت بمرارة وقهر عن حالها الذي تعيشه هي وأسرتها
لأسباب عدة، أولها: أنها هي مصدر الدخل الوحيد. وثانيها: أجرتها التي تحصل عليها لقاء عملها في المعمل والبالغة 15 ألفاً كل أسبوع، أي: ما يعادل شهرياً 60 ألفاً شهرياً، ولكم يا سادة أن تتخيلوا حجم القهر السائد في هذه الأسرة، وهي نموذج عن آلاف الأسر التي تعيش في هذا الوضع غير الإنساني، الذي وضعت فيه تلك الأسر، والتي تعيش حرماناً حقيقياً من أبسط حقوقها، مع أن العاملة التي أتحدث عنها تعمل وتتقاضى أجراً، ولكن ماذا يعني الأجر الذي تتقاضاه؟ وماذا يساوي من حاجات ضرورية تحتاجها أسرتها كي تبقى على قيد الحياة؟ ومع هذا الوضع الذي هي به تقول: الحمد لله أنني لقيت عملاً، وأكسب منه هذا المبلغ البسيط، وهذا تعبير عن الفرص الضئيلة في أن يجد هؤلاء الفقراء فرص عمل يعملون بها ترد عنهم الجوع ولو قليلاً.
ضمن القضايا التي جرى حديث حولها، سألتها: هل أنت مسجلة في التأمينات الاجتماعية؟ وقلت لها: إن ذلك ضروري لك في حال أصبتِ أثناء العمل، أو في حال استغنى رب العمل عن عملك تجدين ما قد يعينك لحين حصولك على فرصة أخرى تعملين بها، فقالت: «ما بعرف عن شو عمتحكي» «شو تأمينات، شو نحن بمعمل دولة؟ وبعدين شو تأمينات؟ ما بحسن أسأل صاحب الشغل عن هيك شغلات».
إن واقع هذه العاملة من حيث وضعها المعيشي ومعرفتها بحقوقها الأولية ينسحب على ألوف العمال العاملين في القطاع الخاص، حيث هم محرومون من تلك الحقوق التي أقرها القانون لهم، ولا يحصلون عليها، فكيف الحال بأجورهم التي لا تساوي شيئاً بعلم الأسعار الحالي، وهنا تكمن المسؤولية الأساسية حول دور النقابات الغائب عن هذه المواقع التي يعمل بها هؤلاء العمال، ويفقدون فيها أبسط حقوقهم التي يقر بها قانون التأمينات الاجتماعية.
إن العمال في ورطة حقيقية من حيث مستوى أجورهم، ومن حيث حقوقهم الأخرى، ونقول للنقابات كما يقول المثل: «إن كنت تدري فتلك مصيبة وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم».
لتحميل العدد 993 بصيغة PDF
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 993