كيف نشأت نقابات الجزيرة؟
في محافظة الحسكة التي تعتمد بشكل رئيسي على الاقتصاد الزراعي، تأسست العديد من النقابات العمالية بعد جلاء الاستعمار في طريق شاق طويل مليء بالتضحيات. وتعرض النقابيون خلال هذا الطريق إلى التنكيل والاضطهاد وتحملوا الجوع والشقاء في بيئة لا توجد فيها مصانع بالمعنى الحقيقي للكلمة، ونتج عن هذا النضال تأسيس اتحاد عمال محافظة الحسكة وعشرات النقابات.
يعود نشوء الطبقة العاملة في الجزيرة إلى بدايات القرن العشرين، وكان التركيب الطبقي في الجزيرة يتكون بشكل أساسي من طبقتين أساسيتين هما: طبقة الإقطاعيين من آغوات وشيوخ عشائر يملكون مساحات شاسعة من الأراضي. وطبقة الفلاحين التي تنقسم إلى فلاحين أغنياء يملكون قطعاً كبيرة أو متوسطة من الأراضي الصالحة للزراعة، وفلاحين متوسطين يملكون قطعاً صغيرة من الأراضي الصالحة للزراعة، وفلاحين فقراء معدمين لا يملكون شيئاً من الأراضي الزراعية، وشكل الفلاحون الفقراء أغلبية سكان الجزيرة آنذاك.
وشهدت هذه الفترة دخول الآلة ميدان العمل الزراعي، وبداية حلول العلاقات الرأسمالية محل العلاقات الإقطاعية في العمل الزراعي في الجزيرة، ونشوء وتبلور الفصائل والمجموعات الأولى من العمال الزراعيين كنتيجة لهذا التحول الاقتصادي الاجتماعي منحدرين بشكل مباشر من الأوساط الفلاحية الفقيرة بسبب تعرض بعض هؤلاء الفلاحين إلى خراب وتهجير. كما نشأت فئات عمال البناء والنفط والآثار والكهرباء والنقل والسكك الحديدية وغيرها، وناضلت النقابات العمالية من أجل ثماني ساعات عمل وإبرام عقود العمل عن طريق النقابة ومنع تشغيل القاصرين ودفع أجور أيام العطل والعمل بثلاث ورديات في العمل الزراعي ومنع التسريح التعسفي.
نقابات عمال البناء
تأسست أول نقابة عمالية في الجزيرة «محافظة الحسكة» عام 1946 على يد الشيوعيين، وهي نقابة عمال البناء التي لعبت دوراً مهماً أثناء إضرابات عامي 1946-1949 دفاعاً عن حقوق العمال.
كانت نقابة عمال البناء في الجزيرة محسوبة على الشيوعيين لعقود طويلة، وكان وزنهم عالياً في العديد من اللجان النقابية على مستوى الجزيرة، وفي مكتب النقابة واتحاد عمال الحسكة. وفي العام 1976 كان الرفيق عبد الرحمن محمد داود عضواً في مكتب نقابة عمال البناء والأخشاب، والمكتب التنفيذي لاتحاد عمال الحسكة الذي اعتقل في الثمانينات دفاعاً عن حقوق العمال. كما أسس الشيوعيون نقابة عمال النحت «الحجارين» عام 1966 التي ترأسها الرفيق بهنان معجون أبو سلام الذي اعتقل في سجن المزة عام 1959. وحدث إضراب لعمال الطرق والجسور في المالكية عام 1988 وإضراب لعمال الرصافة في الرميلان عام 1979.
نقابة العمال الزراعيين
تأسست نقابة العمال الزراعيين «نقابة الميكانيك» عام 1952 أثناء النضال ضد الأحلاف الاستعمارية والديكتاتوريات العسكرية واشتداد إضرابات العمال الزراعيين في الريف. وترأسها الرفيق جمال جركس الذي أصبح نقيباً لاتحاد عمال محافظة الحسكة. ضمت النقابة في صفوفها 10 آلاف عامل من عمال الجرارات والحصادات وعمال حواش القطن، وكانت أكبر نقابة عمالية في سورية، وتليها نقابات النسيج في دمشق وحلب «ضمت كل منها 8 آلاف عامل في صفوفها».
استشهد العامل الشيوعي أوسي رخيص أثناء إضراب العمال الزراعيين في القامشلي عام 1952، وفي صيف العام 1956، قادت النقابة إضراباً شل أعمال الحصاد في الجزيرة، وامتد إلى أجزاء من محافظات الرقة ودير الزور وحلب بمشاركة 16 ألف عامل، واستطاعت النقابة رفع أجور العمال ومنع التسريح وترخيص عمل النقابة والعمل بثلاث ورديات. كما استشهد العامل الشيوعي جمال جركس في سجن الحسكة المركزي تحت التعذيب عام 1960 أثناء ملاحقة الشيوعيين زمن الوحدة السورية والمصرية. وفي سنوات الستينات ترأس النقابة العامل ملكي عيسى أبو رعد الذي اعتقل عام 1966 لأنه رفض قرارات حل النقابة، وبقيت النقابة تعمل حتى حلها نهائياً عام 1974.
نقابة الحمل والعتالة
ترأس النقابي الشيوعي عثمان إبراهيم أبو شهاب نقابة عمال الحمل العتالة التي تأسست في القامشلي عام 1956. وقادت النقابة الإضرابات والمظاهرات دفاعاً عن حقوق العمال مما أدى إلى حلها زمن الوحدة السورية واعتقال النقابيين، وأعيد تأسيسها مرة أخرى. وكان من أبرز إنجازاتها توقيع عقود العمل عن طريق النقابة وتحديد أجور العتالين ومنع التسريح. وقاد النقابيون الشيوعيون آخر إضراب للعتالين في القامشلي عام 1994 ضد المتعهدين الذين ينهبون العمال والبلاد.
نقابة عمال النفط
تأسست حقول النفط في الرميلان عام 1956، وكان مدير الحقول المهندس نورس بيطار «من اللاذقية» أول شيوعي في حقول نفط الرميلان ومؤسساً لتلك الحقول، وكان النقابيون الشيوعيون ينتصرون في الانتخابات النقابية، أبرزها انتخابات عام 1968 رغم الترهيب والترغيب، وقادوا إضراباً كبيراً لعمال حقول الرميلان شارك فيه 5000 عامل عام 1979. ومن أبرز النقابيين الشيوعيين نورس بيطار ووانيس الأرمني وخاجيك الأرمني وعيسى مريمي ويوسف عيسى «يوسي» ومجيد قادر داوود وإسماعيل محمد داود وعصمت مهمدو داود ومحمد صالح بدري أبو حازم وبشير حسين وأحمد موسى وصالح ميرزو وغيرهم.
نقابات أخرى
كما أسس الشيوعيون نقابات الحلاقين والنجارين والخياطين والجزارين في نهاية أربعينات القرن العشرين. وكان نفوذهم كبيراً في نقابة عمال الغزل والنسيج التي تأسست في الجزيرة بعد 1983 بسبب دورهم في حماية الإنتاج وإيصال معمل غزل الحسكة الخاسر إلى معمل رابح بنسبة 287 % منتصف الثمانينات، وكان مدير المعمل والعديد من قيادات النقابة من الحزب الشيوعي. ولعب الشيوعيون دوراً في تأسيس نقابة عمال الكهرباء ونقابة عمال السكك الحديدية ونقابة عمال الصحة ونقابة عمال النقل البري ونقابة عمال استصلاح الأراضي والمشاريع المائية، وقاد العمال الشيوعيون أحمد العصمان وجوزيف مسعودي وعبد الأحد إضراباً لعمال استصلاح الأرضي والمشاريع المائية في الحسكة عام 1982 بسبب تأخير أجورهم لمدة ستة أشهر فتعرضوا للنقل التعسفي من الحسكة إلى دير الزور. كما طالبوا بتأسيس نقابة لعمال الإسكان العسكري.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 965