الفساد سياسة..
أديب خالد أديب خالد

الفساد سياسة..

لا يتمثل الفساد بأشخاص معينين، بل هو سياسة تُمكن الفاسدين من السيطرة على الثروة بطرق قانونية، عبر تبني سياسات تخدم تمركز الثروة بيد قلة قليلة متحكمة وتسمى عادة هذه السياسة تجميلا لها بالليبرالية الاقتصادية، التي تعني حرية السوق بتنظيم نفسه، أو بالمعنى الصريح حرية المستثمرين ورجال الأعمال في السيطرة على مفاصل الاقتصاد والثروة في البلاد عن طريق سحب يد الدولة من الحياة الاقتصادية والاجتماعية، من خلال بيع القطاع العام وإنهاء دوره لتحل محله قوى السوق الخفية التي تتحكم في لقمة ورقاب العباد، والتي تسعى نحو الربح فقط دونما أية اعتبارات أخرى، وبالتالي تحول كل شيء إلى سلعة، حتى حقوق المواطن الأساسية تصبح مجرد سلعة لا يقتنيها إلا القادر على شرائها فقط.

وعادة ما يتم بيع القطاع العام ومصانعه تحت حجج كثيرة، أهمها: أن هذه المعامل والمصانع خاسرة، وهي عملياً ليست خاسرة بل مخسرة بفعل السياسات الاقتصادية الليبرالية والفساد الذي قادها نحو الخسارة تمهيداً لبيعها للقطاع الخاص.

الليبرالية تفتح أبواباً واسعة للفساد

إذا كان البعض يُروج أن بالليبرالية يمكنها القضاء على الفساد الذي استشرى في مؤسساتنا الحكومية، وأن القطاع الخاص وحده القادر على مكافحة الفساد والروتين فهذا كلام مردود عليه، لأن الليبرالية نفسها تعني عقد صفقات فساد كبرى يجري من خلالها بيع القطاع العام بأسعار بخسة ولمستثمرين محددين وربما مرتبطين بالخارج، فالليبرالية تُعمق الفساد وترفع من فاتورته، ومن راكم الأموال من خلال نهب القطاع العام هو نفسه يأتي اليوم ليصبح مستثمراً للقطاع العام واعداً بمستقبل زاهر للاقتصاد!! فالليبرالية أداة لسيطرة الفساد على البلاد.
الليبرالية والفساد مرتبطين ارتباطاً عضوياً لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر بل، يُعتبر الفساد ممهداً لليبرالية، والليبرالية تُعمق وتوسع دائرة الفساد وترفع من خطره لدرجة أنها تهدد وجود البلد بحد ذاته، بسبب ما تسببه من فقر لأغلبية الشعب أدت إلى اضطرابات اجتماعية وسياسية تحولت إلى انفجارات أمنية وإرهاب.

المشكلة بالسياسات وليست بالأشخاص

لا يستقيم إذاً كلام الحكومة عن مكافحة الفساد والتضييق على أحد رجالاته في سورية وهي تطبق سياسات اقتصادية ليبرالية، بل ستكون عملية تغيير وجوه لا أكثر ولا أقل، فلا يمكن لأي أحد أو جهاز ما أن يكافح ولو الفساد الصغير، لأن الليبرالية تدفع جميع فئات المجتمع نحو الفساد لأن بقاء المواطن على قيد الحياة مرتبط بتأمين احتياجاته، وهو لا يستطيع تأمين احتياجاته المعيشية سوى عن طريق الفساد بسبب حصر الثروة الوطنية في أيد قلة قليلة، ولا يبقى للأغلبية سوى النذر القليل وستتصارع فيما بينها وسترتكب الجرائم للحصول على ما يبقيها على قيد الحياة.
لا مكافحة للفساد إلا بالديمقراطية
كما تعني الليبرالية الحرية للمستثمرين فهي تعني الديكتاتورية لباقي فئات الشعب فالليبرالية الاقتصادية لم ترافقها ليبرالية سياسية كما سُوقت لنا، بل ترافقت مع قمع للشعب، لمنعه من الاحتجاج على أوضاعه المعيشية، وللحفاظ على الثروة بأيد قلة قليلة لا بد من جهاز أمني قوي يقمع المطالبين بحصتهم من الثروة، إضافة إلى الوسائل الناعمة الأخرى التي تُوهم الشعب بأن مشكلته ليست مع هؤلاء، بل في أخلاقهم وذواتهم، وأن ما يعانون منه من فقر وجوع سببه أفعالهم.
ومكافحة الفساد تحتاج لإطلاق حريات واسعة واحترام القوانين وتطبيق نصوص الدستور وضمان استقلال المنظمات الشعبية والمهنية بعيداً عن أية هيمنة لتأخذ دورها في مكافحة الفساد، وحشد طاقات المجتمع بأكمله في مواجهته، فالفساد بات يشكل شبكة عنكبوتية متشابكة ومسيطر على كل مفاصل الدولة والمجتمع.
ويرتقي دفاع الجماهير والعمال والأحزاب الوطنية عن العدالة الاجتماعية ومحاربة الليبرالية والفساد، إلى دفاعٍ عن الوطن من أعداء الداخل ومهمة وطنية بامتياز.
فلاشة: السياسة التي تُمكن الفاسدين من السيطرة على الثروة بطرق قانونية عبر تمركز الثروة بيد قلة قليلة متحكمة تسمى عادة تجميلا لها بالليبرالية

معلومات إضافية

العدد رقم:
965
آخر تعديل على الإثنين, 11 أيار 2020 11:58