نقابة معلمي دير الزور... حتى النقابة تطلب 50 ألفاً!
تعتبر نقابة المعلمين من النقابات الكبيرة، وكان للمعلمين وطلابهم دور مهم جداً في الحركة الوطنية والسياسية في سورية سواء في فترة الاحتلال الفرنسي ومقاومته، أو في مواجهة الدكتاتوريات بعد الاستقلال، وكانت النقابة تملك استقلالية قرارها، واتخاذ مواقفها خاصةً في حق الإضراب الذي كانت تكفله الدساتير السابقة والدستور الحالي، لانتزاع الحقوق النقابية، ومن أجل السياسات التعليمية الوطنية.
تراجع هذا الدور كثيراً لنقابة المعلمين وتراجعت بالتالي حقوق ومكتسبات المعلمين التي ناضلوا من أجلها، وكذلك تراجعت الحركة الطلابية في العقود الأخيرة. أما في العقدين الأخيرين فقد تفاقم الأمر، نتيجة إضعاف دور الدولة عبر السياسات الاقتصادية الاجتماعية الليبرالية، ومن ضمنها السياسات التربوية والتعليمية التي تدفع نحو الخصخصة، والتي أدت إلى انخفاض مستوى التعليم، وانتشار ظاهرة الدروس الخصوصية.
مثال من الواقع الحالي
أعلن فرع نقابة المعلمين في دير الزور عن افتتاح دوراته التعليمية للعام الدراسي 2018/2019 لطلاب مرحلة التعليم الأساسي والثانوي بفرعيه العلمي والأدبي اعتباراً من 11/11/2018 ولغاية 30/4/2019 وبعدها دورة مكثفة تبدأ بتاريخ 1/5/2019 ولغاية انتهاء العام الدراسي، وكذلك شمل الإعلان أسماء المدرسين، وكلفة كل مادة، وأن هناك حسماً 50% لأبناء المعلمين الشهداء.
قبل مناقشة الإعلان، لا شك يبدو في الظاهر أنه حِرصٌ على رفع المستوى التعليمي للطلاب، وتخفيف الأعباء عن الأسر من استغلال الدروس الخصوصية.. لكنه إقرار بالواقع أن مستوى التعليم الرسمي في مدارس الدولة انخفض، لكن المعالجة تدخل في السياق نفسه، وليس في مواجهة السياسات التي سببت ذلك.
حسب الإعلان، تبلغ كلفة الدورة لطلاب المرحلة الثانوية للفرع العلمي 50 ألف ليرة، وللفرع الأدبي 44 ألف ليرة وللتعليم الأساسي 36 ألف ليرة، وفعلاً هذه التكاليف قياساً بالمعاهد الخاصة التي تكلف وسطياً حوالي 300 ألف ليرة، أي: تشكل حوالي الخمس أو السدس، وربما أقل حسب ما تقرره المعاهد الخاصة، أو تكلفة الدروس الخصوصية، لكن إذا كانت نقابة المعلمين تكلف أسرة الطالب في دوراتها هذه المبالغ؟ ألا يعتبر هذا بمثابة إقرار بواقع العملية التعليمية، وحاجتها إلى كلف عالية.
أسئلة مشروعة
ويحق لنا أن نتساءل هنا:
كيف لأسرةٍ أن تؤمن تكاليف دورةٍ لطالب واحد على الأقل، وهي لا تجد مقومات معيشتها بذلك، والحد الأدنى للأجور 16500 ليرة، ومتوسطها حوالي 35 ألف ليرة، والحد الأدنى لمعيشة أسرة من خمسة أفراد حوالي 300 ألف؟
وثانياً: أين دور التعليم الحكومي؟ إذاً هو لا يقدم الجرعة التعليمية اللازمة ومن وراء ذلك، فلماذا لا تقف النقابة موقفاً شجاعاً ضد من أوصل التعليم الحكومي إلى هذا المستوى؟
وثالثاً: إذا كان هذا دور نقابة المعلمين، فماذا عن دور التعليم الخاص والدروس الخصوصية؟
ورابعاً: أليس الطاقم التعليمي في هذه الدورات هو ذاته الطاقم التعليمي في المدارس الحكومية؟ فأين الخلل ومن المسؤول عنه، أليست هذه شرعنة للخصخصة بطريقة غير مباشرة؟
وأخيراً وهو الأهم: إذا أصبح التعليم سلعة، تباع من المستثمرين في التعليم الخاص، وحتى من النقابة، ولمن هو قادر أن يدفع، فماذا عمّن لا يمتلك القدرة على الدفع؟