بصراحة موطني.. موطني
عندما كنّا في المغترب، كان حديث والدي في المجالس والسهرات التي يجتمع فيها بعض السوريين من أصدقاء العائلة أيام العطل، حول ما كان يجري إبان الثورة السورية ومقاومة المحتل الفرنسي في الحارات، وبعض الشوارع، من أعمال بطولية كنصب الكمائن وإخفاء الثوار، أو تهريبهم عبر أسطح المنازل، وغيرها الكثير من الأعمال، والأهم في الحديث: كيف كانوا يحتفلون بعيد جلاء المستعمر واندحاره عن وطننا فيقول:« كنا نحمل حالنا ونروح على الملعب البلدي لنشوف الاستعراض العسكري وسباق الخيل» أي: كان الاحتفال بهذا اليوم العظيم هو احتفال شعبي، ويعبر عن إرادة وموقف شعبنا في أن تتخلص من كل أشكال الاستعمار المباشر وغير المباشر، وشعبنا بهذا العمل الوطني قد استخدم أشكال المقاومة كافة، ومنها: المظاهرات والإضرابات التي كان يشارك بها أغلبية الناس الذين لهم مصلحة حقيقية في الخلاص من المستعمر، طلاباً وعمالاً وفلاحين وبرجوازية وطنية، بالإضافة إلى المقاومة المسلحة.. إلخ.
لقد أصاب الاحتفال بهذا اليوم الكثير من التشوهات التي ربما تكون مقصودة في فعلتها، وهذا مرتبط بحجم التغيرات السياسية والاقتصادية التي جرت خلال العقود الفائتة، والتي عملت على أن تكون العلاقة بهذا اليوم علاقة شكلية، وهذا يعني: تغيب للرموز الوطنية التي ارتبط اسمها بالكفاح الوطني، وترسخت بالذاكرة الشعبية، وهذه القضية هي على تناقض مع تلك التحولات، حيث إن تغييب الرموز الوطنية يعني تغيباً للإرث الكفاحي الذي كونه الأجداد في مواجهة المحتلين، كيفما تلونوا، ويقطع حبل الوريد الواصل بين السابقين واللاحقين من أجل المواجهة مع المحتلين الجدد المتلونين بكل الألوان، وهذه المواجهة هي خيار شعبنا في سياق إنهاء أزمته الوطنية العميقة التي بددت قواه، وشتتها باتجاهات عدة عوضاً عن توحيدها باتجاه واحد، وهو تحرير الأرض المحتلة والمغتصبة عبر المقاومة الشعبية بمختلف أشكالها.
إن التغيرات الجارية في موازين القوى العالمية والإقليمية، ستنعكس عندنا تغييراً حقيقياً، وهذا التغيير في موازين القوى سيجعل إمكانية أن يمسك الشعب بأغلبيته الفقيرة سلطته الفعلية إمكانية حقيقية، مما سيدفع القوى الشعبية إلى الذهاب نحو الخيارات التي تجعل من إمكانية المقاومة الشعبية إمكانية واقعية، والتغيير الجذري الديمقراطي حقيقياً، وعندها سيستعيد الشعب الاحتفال بجلائه الحقيقي.