قوانين على الصغار فقط
صدر القانون رقم 4 لعام 2018 القاضي بتعديل الفقرة (د) المادة 15 من قانون العقوبات الاقتصادية رقم 3 لعام 2013 لتصبح:
«يعفى الراشي والمتدخل من العقوبة إذا باح بالأمر للسلطات المختصة، أو اعترف به قبل إحالة القضية إلى المحكمة».
ومن المعروف، أن قانون العقوبات الاقتصادي، يهدف إلى مكافحة الجرائم الاقتصادية والمالية كالرشوة والاختلاس، وحماية المال العام والاقتصاد الوطني، كما يضمن السير الطبيعي للنشاط الاقتصادي في إطار النزاهة والشفافية وسيادة القانون.
حرمان المرتشي من الإعفاء
يأتي التعديل في المادة 15 من القانون ليحصر الاستفادة من إعفاء العقاب للراشي والمتدخل فقط، وبذلك يكون قد شدد العقوبة على المرتشي وحرمه من الاستفادة من إعفاء العقاب، حتى لو أعترف أو باح للأمر للسلطات قبل إحالة القضية إلى المحكمة كما كانت المادة قبل التعديل، وتأتي هذه المحاولات لتشديد العقوبة على المرتشي، ومنعه من الاستفادة من أي ظرف معفي أو مخفف من العقاب لمكافحة ظاهرة الرشاوى في القطاع العام.
الفساد الكبير هو السبب
يعاني القطاع العام من العديد من المشاكل، أهمها: الفساد، والذي يعد نتيجة لسياسات الحكومة الاقتصادية الليبرالية، وجميع المحاولات لمكافحة الفساد التي أعلن عنها كانت تمنى بفشل، وذلك لأن هذه الخطط تتغاضى عن الفساد الكبير وتحاول مكافحة الفساد الصغير فقط، ولكن حتى المحاولات الحكومية لمكافحة الفساد الصغير فشلت أيضاً، وذلك لأنها كانت تحاول معالجة النتائج دون النظر إلى الأسباب التي أوجدت هذه الظاهرة، وهي تدني مستوى المعيشة وعدم ملائمة الأجور لمستوى المعيشة، فلم يكن أمام الموظف أو العامل سوى اللجوء إلى طرق وأساليب شتى لتعويض هذا الفارق، محميا بالبيئة التي يوفرها الفساد الكبير.
ومع اندلاع الأزمة وتراجع القيمة الشرائية لليرة السورية، وارتفاع الأسعار وتدني مستوى الأجور والرواتب، وزيادة الأعباء المعيشية التي فرضتها الأزمة على الموظف، أضف لذلك التعنت الحكومي في رفضها لزيادة الرواتب، أو اتخاذ أية إجراءات تخفف من وطأة الأزمة على العامل أو الموظف، ومجابهتها لمطالب العمال في اجتماعاتها بالتسويف والمماطلة وتدوير المطالب من اجتماع إلى آخر، متحججة بالأزمة، وكأن سياساتها قبل انفجار الأزمة كانت لصالح العمال!! مع العلم أن هذه السياسات كانت أحد أسباب انفجار الأزمة وسبباً في استمرارها أيضاً.
القانون يطبق على الصغار فقط
حتى أثناء محاولات فتح بعض ملفات الفساد الكبرى، فغالباً ما يتم تبرئة كبار المتورطين من موظفين أو تجار أو متعهدين، ويتم تقديم بعض الموظفين الصغار ككبش فداء، كما حصل في ملف القروض المتعثرة على سبيل المثال.
وهل يمكن للدولة أن تحاسب موظفاً يتقاضى رشاوى بسيطة أو صغيرة مقابل القيام بعمله، في حين تترك وتتغاضى عن صفقات وملفات فساد تتجاوز قيمتها المليارات يتم تهريبها خارج البلاد؟ أي احترام للقانون هذا، وكيف سيحترم الموظف الصغير أو العامل القانون، وهو يراه ينتهك أمام عينيه، وهناك طبقة من الفاسدين لا يجرؤ أحد على ملاحقتهم أو سؤالهم.
الحل الجذري
الحل الجذري لإصلاح القطاع العام، يجب أن ينطلق من ضرورة مكافحة الفساد الكبير أولاً، والذي ستسمح أموال الفساد برفع إنتاجية القطاع العام، والعدول عن السياسات الاقتصادية الليبرالية، ووقف خصخصة وبيع القطاع العام، ورفع المستوى المعاشي للموظف أو العامل، وإعطاء الحرية للعمال في التعبير عن مشاكلهم بالطرق القانونية والدستورية، والاعتراف لهم بحق الإضراب كوسيلة سلمية للنضال والدفاع عن حقوقهم، إضافة إلى رفع الوصاية عن منظمات العمال، وإلغاء مفاعيل المادة الثامنة من الدستور القديم، ومن ثم تفعيل نصوص القانون الجزائية التي تحارب الرشوة والفساد داخل القطاع العام، والتي تسيء إلى سمعته، والتي تحوّل خدماته المجانية إلى خدمات مأجورة، وهي ما تفقد القطاع وظيفته.