استثمار معاكس في (عصير الجبل)

استثمار معاكس في (عصير الجبل)

إن من يدافع عن إقرار قانون التشاركية، وكأنه طوق النجاة الوحيد، على مقياس الرمد أفضل من العمى، يتناسى بأن ضالته غير المنشودة أساساً، هي في الأموال الضرورية لترميم وإعادة تأهيل المعامل والمنشآت المتوقفة عن العمل، والتي تتمركز في جيوب وخزائن الفاسدين الكبار، الذين اغتنوا من دماء وجوع المنتجين الحقيقين للثروة.

 

على رأي المثل الشعبي «وشهد شاهد من أهلها»
قلبت المؤسسة السورية للتجارة المعادلة، من خلال إعلانها عن استثمار شركة عصير الجبل الخاصة شبه المتوقفة والغارقة بالخسائر، في الوقت الذي تتوجه فيه الحكومة لطرح معامل القطاع العام المتوقفة والمخسرة للاستثمار من قبل القطاع الخاص.
صادقت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، على عقد الاستثمار الموقع بتاريخ 19/2/2018، بين السورية للتجارة وشركة عصير الجبل المساهمة والمغفلة في السويداء، لاستثمار المصنع وتصنيع جميع أنواع العصائر الطبيعية والمربيات والكونسروة بقيمة ٢٥٠مليون ليرة سورية، ويتضمن عقد الاستثمار: أن تقدم الشركة كامل المنشأة الصناعية والتجارية مع التجهيزات والتراخيص والعناصر المادية والمعنوية ليتم استثمارها من قبل المؤسسة السورية للتجارة: تحت اسم «وحدة المؤسسة السورية للتصنيع»، ولمدة خمس سنوات قابلة للتجديد، تبدأ من تاريخ استلام المصنع لقاء بدل استثمار سنوي بقيمة ٥٠ مليون ليرة سورية تدفع من قبل السورية للتجارة على دفعتين، الأولى: عند الاستلام. والثانية: بعد انقضاء ثلاثة أشهر، وذلك بالنسبة للسنة الأولى، وبقية السنوات ويتم الدفع مع بداية كل عام.
الجدير ذكره، أن العقد جاء بعد عام ونصف من المفاوضات حول الطريقة الأمثل للاستثمار، وما بين تقاسم الأرباح بين الطرفين مناصفة، أو دفع مبلغ سنوي وهو ما تم من خلال العقد الذي تم توقيعه.
شركة عصير الجبل
شركة خاصة مساهمة مغفلة منشأة على قانون الاستثمار رقم ١٠ لعام ١٩٩١ تأسست عام ١٩٩٣ برأسمال وقدره ٤٠٠ مليون ليرة سورية وضمت ١٧٥٠ مساهماً، ومنذ عشر سنوات على الأقل، لم يحصل المساهمون على أرباحهم، بحجة أن الشركة خاسرة، وهناك دعاوى قضائية كثيرة لا تزال قائمة، وقد بلغت خسائر الشركة في نهاية عام ٢٠١٧ نحو ١٠٠ مليون ليرة سورية، ولم تزد الكميات المستعملة والمصنعة من الفواكه عن ٣٢٠ طن أي: ما يعادل ١% من الطاقة الإنتاجية للمعمل، وتعاني الشركة من مشاكل في التمويل وصعوبة في تأمين الفواكه وتسويق المنتج النهائي.
الشركة تصنع اليوم جميع أنواع العصائر، وكونسروة البندورة والفول والحمص والبازلاء، وتعد أكبر مصانع العصائر الطبيعية والمركزة على اختلاف أنواعها، وهو المصنع الوحيد المتخصص في تصنيع العصير المركز.
بموجب الاتفاق الجديد تتحمل «السورية للتجارة» قيمة الإصلاحات في حال كانت قيمتها لا تتجاوز خمسة ملايين ليرة سورية، كما تترتب عليها الرسوم والضرائب كافة الناجمة عن عملية الاستثمار، وجميع نفقات المياه والكهرباء والهاتف، ويترتب على المنشأة حسب العقد المبرم بين مدير عام السورية للتجارة، ورئيس مجلس إدارة شركة عصير الجبل حل المشاكل جميعها ابتداءً من الضرائب والرسوم والديون، والقرارات القضائية الصادرة ضدها، قبل بدء عملية الاستثمار، كما يحق لـ السورية للتجارة الاستعانة بمن تراه مناسباً لتشغيل المصنع، إضافة إلى حقها بإبرام عقود تشغيل مع الغير وتكون الإدارة من حق المستثمر فقط، والمنتجات المتعلقة بعمل المصنع يتم تسويقها باسم المستثمر.
آمال العمال المرجوة من الاتفاق
يعمل في الشركة خمسة وثلاثون عاملاً وعاملة مثبتين، والباقي عمال موسميون تصل أعدادهم أثناء المواسم حوالي ١٠٠ عامل وعاملة، وهم غير مشمولين بالتأمين الشامل، ويتقاضون أجوراً تتراوح بين ٣٥ و٥٠ ألف ليرة سورية، وهم مسجلون بالتأمينات الاجتماعية بالحد الأدنى للأجور ١٦٧٦٥ ل.س، وتحتسب للعمال ترفيعة كل سنتين ٩% ولا يتم احتساب أية طبيعة عمل تتناسب مع خطورة عملهم، وينقل هؤلاء العمال عبر وسائط نقل على حساب الشركة، ولدى الشركة طبيب متعاقد ليوم واحد في الأسبوع فقط.
يعاني العاملون في عصير الجبل، من غياب وسائل وأدوات السلامة والصحة المهنية «خوذ، أحذية، بدلات عمل خاصة، نظارات»، في ظل وجود مخاطر متمثلة بالتعامل مع مواد كيمائية، مثل: الصود الكاوي، الأسيد، ضمن معدلات الحرارة والضغط العالي، الناتجة عن طناجر ومراجل طبخ المواد الأولية، حيث سجلت عدة إصابات حروق وتشوهات خطيرة وأمراض مهنية، كالربو والأمراض القلب وارتفاع الضغط الشرياني، ومع ذلك يتعالج العمال على حسابهم الخاص دون أية مساهمة من الشركة، فالأدوية والعلاج والاستراحات المرضية الصادرة عن مشفى السويداء الحكومي أيضاً على حسابهم الخاص، فظروف العمل الخطيرة لم تشفع لهؤلاء العمال في احتساب طبيعة عمل تتناسب مع خطورة عملهم، أو حوافز إنتاجية، أو حتى زيادة على الراتب المقطوع، في ظل ارتفاع الأسعار وفلتان الأسواق غير المسبوق، والشركة لا تلتزم بزيادة الأجور، إلا إذا صدرت مراسيم من الدولة بذلك، وتقوم بتشغيل العمال أثناء توقف العمل بالشركة بقوة المواد القانونية الواردة في عقد العمل الموقع مع العامل، والمرفق باستقالة موقعة دون تاريخ، ليضمن رب العمل من خلاله تشغيل العامل داخل وخارج الشركة.
مطالب النقابيين
تحاول اللجنة النقابية في هذا المعمل، رغم ضعف أدوات الضغط لديها على إدارة الشركة، تحصيل ما تيسر من حقوق ومطالب للعمال وهي:
1_ الزيادة الدورية لأجور العاملين في الشركة لسد الفجوة الكبيرة بين الحد الأدنى للرواتب، وضرورة المعيشة، والمطالبة بتحسين الوضع المعيشي للعمال.
2_ تشميل جميع العاملين بالضمان الصحي، والتكفل بتكاليف العلاج والأدوية والاستراحات المرضية.
3_ احتساب طبيعة عمل تتناسب مع خطورة العمل.
4_ تأمين مستلزمات ووسائل الصحة والسلامة المهنية.
5_ تثبيت العمال في أماكن عملهم، وعدم تشغيلهم داخل وخارج الشركة كوسيلة للضغط عليهم باتجاه تقديم استقالتهم في ظل الأزمة الراهنة.
بعيداً عن الخصخصة
إن إتمام الاتفاق بين الشركة والقطاع العام، ممثلاً بوزارة التجارة الداخلية، والقاضي بتحريك عجلة الإنتاج مقابل مبلغ سنوي بقيمة 50 مليون ليرة سورية، فيه مكاسب عدة، منها: تثبيت العمال، وتشغيلهم وحفظ حقوقهم بشكل يضمن استمرارية الإنتاج، وتشميل العاملين في الشركة بالطبابة الكاملة، أسوة بباقي القطاعات، ولذلك لم يعد مقبولاً التأخر من قبل السورية للتجارة في البدء في تشغيل المعمل، وخصوصاً بعد مضي شهرين على توقيع العقد.
الأولوية اليوم للبلد، وذلك بتأمين مستلزمات الإنتاج الضرورية من مواد أولية وطاقة ويد عاملة ودعم فئات الشعب الفقيرة والمهمشة.