نزار عادلة نزار عادلة

المطلوب من الحركة النقابية حوار جاد بين مكونات الطبقة العاملة

كان من الطبيعي أن ينعكس الاختلاف في وجهات النظر داخل قيادة حزب البعث والسلطة السياسية، وما ترتب على هذا الاختلاف من مواقف وتوجهات متباينة ومتعارضة على دور الطبقة العاملة وحركتها النقابية، وبرزت نتيجة ذلك ظواهر سلبية عديدة في العمل النقابي بعضها ناجم عن الفهم الخاطئ لطبقية وشكل العلاقة بين الحزب والنقابات، وفي بعضها الآخر عن طبيعة المهام النقابية وأولوية القضايا والمطالب العمالية، ولاسيما بعد صدور قانون التنظيم النقابي /84/ لعام 1968، والذي أتاح للطبقة العاملة حرية اختيار قيادتها على المستويات كافة، ونتيجة للفهم الخاطئ والرؤية القاصرة لمفهوم حرية الاختيار وطبيعة المهام والمسؤوليات النقابية، وفي ظروف اتسمت بغياب الحوار، وحجب المعلومات وغموض الصيغ الفكرية والمعايير العلمية، ظهرت لدى بعض النقابيين بوادر التسيب والاتكالية والبيروقراطية في العمل النقابي إلى جانب التطرف وتعدد الولاءات، والتخلي عن أسلوب الحوار والانفراد بالرأي والتمادي في تعقيد المشاكل بدلاً من حلها.

في عام 1958 ومع قيام الوحدة السورية المصرية صدر القانون /91/ للتنظيم النقابي يشترط فيه على القادة النقابيين من العمال إذا ما أبدوا رغبة في الترشيح لعضوية المكاتب التنفيذية النقابية القيادية أن ينتسبوا أولاً إلى الاتحاد القومي، وهو التنظيم السياسي الوحيد آنذاك، وعمدت سلطة الوحدة إلى حل المكتب التنفيذي لاتحاد العمال وجرى تعيين مكتب جديد.
وفي العام 1962 أي عهد الانفصال تم حل الاتحاد، وتعيين قيادات نقابية جديدة موالية للانفصال وفي 12/7/1962 صدر مرسوم حرم بموجبه النقابات من ممارسة العمل السياسي ووضع حد من مسؤولية النقابات ودورها، وفي 18 آذار 1963 تم حل اتحاد العمال، وفي  عام 1970 أعلنت القيادة النقابية تأييدها للحركة التصحيحة بعد مباحثات عديدة.

هذه المقدمة مقتبسة من كتاب الاتحاد العام لنقابات العمال الذي صدر قبل عامين بعنوان «الطبقة العاملة السورية وحركتها النقابية عرض تاريخي وثائقي 1848 ــ 2002، الباب الثاني الصفحة 61 ــ 62».
هذه المقدمة بلا شك تعرض تاريخاً يتحدث عن نفسه، أي الوصاية على الحركة النقابية والتي كانت تتم أحياناً بالمساومات، وأحياناً باتفاقيات وإغراءات للقيادة النقابية بمعزل عن العمل، وقد أدى ذلك وعبر سنوات طويلة إلى ضمور وشلل في الحركة النقابية، وهذا لا يعني أن يرفض التعاون والائتلاف بين الحركة النقابية والأحزاب التقدمية والوطنية، بل أن هذا التعاون ضروري ولكن أن يتحول هذا التعاون إلى وصاية، فهذا يعني إضعاف الحركة النقابية والحد من دورها وفاعليتها بين صفوف العمال، والحزب الحقيقي الذي يمثل العمال هو الذي يعمل لدعم الحركة النقابية ويتمسك بقوة بمبادئ الديمقراطية النقابية، ويحافظ على استقلالية المنظمة النقابية ولا يستأثر بقيادتها أو يستحوذ عليها.
تؤكد وقائع الفترة الماضية، أن مجالس الاتحاد العام لنقابات العمال كانت تضع  منذ عشر سنوات الماضية القضايا الاقتصادية والمطلبية أمام الحكومة والقيادة السياسية، دون أن تجد حلولا واقعية، أماالقيادات النقابية فقد أثبتت خلال السنوات الماضية بأنها لم تستطع الارتقاء إلى ما جرى في سورية من متغيرات اقتصادية انتقلت بالبلد من الاقتصاد المخطط إلى اقتصاد ليبرالي حر وكانت اية مشكلة يتحدث بها المواطن يجدون لها تبريراً، واي مطلب عمالي يجب أن لا يلح بأمره لأن هناك ظروفاً موضوعية تحيق بنا وتهدد مستقبلنا حسب وجهة نظره، الآن سورية أمام مرحلة جديدة، مرحلة إلغاء المادة /8/ والتي «كانت» تقول: حزب البعث قائد الدولة والمجتمع، وليكفل الدستور الجديد أيضا حق الإضراب.

إن من كان يجرؤ حتى قبل عامين على المطالبة بإلغاء المادة /8/ من الدستور، كان يرجم ويتهم بوطنيته، ومن كان يطالب بحق الإضراب كانت تتم مساءلته ومعاقبته.
لقد أصبح حق الإضراب للعمال جزءاً  لا يتجزأ من حرية الشعب الديمقراطية، وتحقيق هذا المطلب يعني الديمقراطية لكل فئات الشعب، وقد ارتكبت القيادات النقابية خطأ كبيراً حين اقتنعت بمنع هذا الحق لأنه برأيهم يؤثر على الاقتصاد الوطني، وهم في ذلك جردوا الطبقة العاملة من أبرز أسلحتها.
أما إلغاء المادة /8/ فتعني إلغاء الوصاية على الحركة النقابية، وما جرى عبر سنوات طويلة أنه لم يكن هناك تمييز بين العمل النقابي والعمل السياسي في كل المجالات الفكرية والتنظيمية، وقد ترك هذا الواقع آثاراً سلبية على العمل النقابي، وقد اعترف الاتحاد العام لنقابات العمال «بأن الاختلاف في وجهات النظر داخل قيادة حزب البعث انعكس على دور الطبقة العاملة وحركتها النقابية».
الآن وفي ضوء الوقائع المستجدة في سورية، فإذا كان الحوار الوطني هو المطلوب على الساحة السياسية كمخرج وحيد للخروج من الأزمة، فإن ما هو مطلوب على الساحة النقابية ليس أقل من حوار بين كل مكونات الطبقة العاملة، والقيادة النقابية تتحمل المسؤولية التاريخية بأن تراجع سياساتها وأن تعيد النظر في خطابها أمام مرحلة جديدة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
542