العمال المتقاعدون .... هل يظلون أشباه أحياء؟

قد لاتكون مشكلة عمال مصفاة حمص الذين خسروا كل أشكال الضمان الصحي بعد أن أحيلوا إلى التقاعد مشكلة أولئك وحدهم دون سواهم، فالمشكلة عامة تواجه جميع  العمال الذين يعملون بالمهن المختلفة، والتي تسبب أمراضاً مهنية عديدة لمن يزاولونها كعمال المناجم وعمال الغزل والنسيج والعاملين بالصناعات الدوائية.. والقائمة تطول، وهذه الأمراض المهنية تبدأ منذ السنوات الأولى لعملهم، وتبقى معهم إلى حين إحالتهم على التقاعد.

وتزداد المعاناة كثيراً من تبعات تلك الأمراض نتيجة ضعف الجسم وعدم قدرته على مقاومتها مع تقدم السن، مما يستدعي الاستمرار بالعلاج الصحي والمراقبة الطبية الدائمة لهؤلاء العمال المتقاعدين، ومواصلة وتطوير تقديم الرعاية والضمان الصحي لهم، وهو الحد  الأدنى الذي يجب أن يناله العمال طالما أنهم قدموا زهرة شبابهم في الإنتاج والعمل المضني في الأعمال الخطرة والشاقة مهنياً.
من الناحية القانونية، هذا ما تؤكد عليه المادة (5) من اتفاقية العمل الدولية 139 والتي وقعت عليها سورية ودخلت حيز التنفيذ اعتباراً من 10 حزيران 1976 حسب الكتاب الصادر عن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل (اتفاقيات العمل الدولية المصدقة من الجمهورية العربية السورية)، حيث تقول الاتفاقية بمادتها الخامسة:
«على كل عضو يصدق على هذه الاتفاقية اتخاذ التدابير المؤدية إلى استفادة العمال من الفحوص الطبية أو البيولوجية أو الفحوص الأخرى أو الأبحاث خلال فترة عملهم وبعد انتهائها وذلك بتقييم تعرضهم والإشراف على حالتهم الصحية فيما يتعلق بالمخاطر المهنية». وهذه الاتفاقيات واجبة التطبيق إذا لم تقدم الدولة انسحابها منها خلال عشر سنوات وسورية لم تعلن انسحابها من هذه الاتفاقيات إلى الآن كما  نعلم وتؤكد عليه وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.
إن المادة 5 تلك تقر بشرعية مطالب العمال المتقاعدين وبضرورة استمرار تشميلهم بالضمان الصحي حتى بعد انتهاء عملهم طالما أن تلك الأمراض التي يعانون منها هي نتيجة العمل وليس شيئاً آخر.
ولكن هناك تعقيدات كثيرة تواجه الضمان الصحي للعمال المتقاعدين، أهمها - كما تقول الحكومة- الكلفة العالية التي ستتحملها الحكومة من جراء تطبيق الضمان الصحي، والمقدرة بعدة مليارات، ورغم وعود الحكومة الكثيرة بتجربة تطبيق الضمان الصحي على بعض المنشآت في بعض المحافظات، إلا أن أقوالها ووعودها ذهبت أدراج الرياح، فلا هي قامت بتجربتها العتيدة تلك، ولا جهات أخرى (ذات علاقة) قامت بطرح بدائل تمكن العمال من حصولهم على علاجهم المطلوب، وبقي العمال بين (حانا ومانا) ينتظرون الفرج، ولكن ذلك لم يثنهم على الاستمرار بالمطالبة، ولجؤوا إلى جهات عديدة في مطالبتهم تلك، خاصة إلى الاتحاد العام لنقابات العمال باعتباره الممثل الشرعي لحقوق العمال، والمنوط به الدفاع عن مطالبهم طالما أن هؤلاء العمال لم يفقدوا عضويتهم النقابية حتى بعد أن أصبحوا (متقاعدين)، وهذا ما تنص عليه المادة 24 من الفصل الرابع في العضوية والانتساب من قانون التنظيم النقابي والتي تؤكد حرفياً: «يحق للعمال المتدرجين الانتساب للنقابة كما يحق للمتقاعدين والمتعطلين منهم الاحتفاظ بعضوية نقاباتهم».
إن هذه المادة تلزم النقابات بإبقاء هؤلاء العمال تحت مظلتها وبوجوب استمرارها في رعايتهم والدفاع عن مصالحهم المختلفة، وإيجاد الأطر والأشكال الاجتماعية المختلفة لاحتوائهم والتفاعل معهم، كالروابط والنوادي، والجمعيات. وهذه الأفكار مطروقة في النقابات وتحتاج إلى تفعيل ومبادرة لإطلاقها وجعلها حية وقابلة للحياة، بحيث تمكن هؤلاء العمال من مواصلة واستكمال دورهم السابق في العطاء الوطني، وهذا ماعبر عنه أحد العمال القادمين من حمص لتقديم مطالب زملائه الذين يمثلهم إلى الاتحاد العام (هذا الوطن وطننا وسنبقى ندافع عنه بكل إمكانياتنا رغم كل شيء).
إن هذا الحس الوطني العالي الذي يعبر عنه شعبنا، وخاصة الطبقة العاملة السورية، هو القاعدة الصلبة التي ستمكن وطننا من المواجهة والصمود والتصدي للعدوان الخارجي، الصهيوني والأمريكي، والعدوان الداخلي الذي تقوم به قوى السوق الكبرى الناهبة لاقتصادنا الوطني.
إن تحقيق عوامل الصمود لشعبنا يأتي في سياق التحضير لهذه المواجهة ومنها الامتثال لمطالب العمال، سواء القائمين على راس عملهم أم المتقاعدين، وهذا بدوره يتطلب بالحد الأدنى تحقيق الضمان الصحي للعمال من خلال توزيع التكاليف على الأطراف الثلاثة:

1 ـ الحكومة كرب عمل تتحمل الجزء الأساسي من تكاليف الضمان الصحي للعمال.
2 ـ التأمينات الاجتماعية من خلال تخصيص جزء من أموالها والمفترض استثمارها بأعمال تعود على العمال بالفائدة عوضاً عن مصادرتها من الحكومة، كما فعلت بالـ 50 مليار ليرة، والتي لم تعدها إلى الآن لأصحابها الشرعيين.
3 ـ النقابات، والتي عليها أن تقدم جزءاً من التكاليف من خلال ماتحققه استثماراتها من أرباح. 

معلومات إضافية

العدد رقم:
283