نزار عادلة نزار عادلة

عن الدعاوى العمالية: السياسات الحكومية تنال من هيبة القضاء

أي حديث عن الإصلاح الاقتصادي أو الإداري أو التشريعي يبقى عبثاً أمام ما نشاهده من فساد معلن مدَّ ذراعه داخل القطاع العام والسوق والأجهزة والمؤسسات العامة. وجرى ما جرى من تخريب للإنسان، بعد ضرب القطاع العام والتلاعب بالنظام النقدي، وبلبلة قواعد الأجور والأسعار، وخلق الجو السلبي المعاكس للإنتاج والإنماء، وفرض مفاهيم المجتمع الاستهلاكي ومفرداته الخطيرة.

فالكثير من الحقوق العمالية المكتسبة جرى الالتفاف عليها، وصدرت العديد من القوانين والتشريعات ليتم إفراغها من محتواها، فالقانون /50/ لعام 2004، وهو القانون الأساسي للعاملين في الدولة تضمن مكاسب ومزايا لم تنفذ، والأسباب عدم تخصيص الاعتمادات في الموازنات العامة للدولة لتنفيذ أحكام القانون الأساسي، وخاصة الجوانب المالية منه، والمتعلقة بتعويضات طبيعة العمل والانتقال والضمان الصحي والوجبة الغذائية، وهناك قضايا ومطالب رفعت النقابات دعاوى قضائية على الحكومة بشأنها، وهي حقوق مكتسبة يجب أن تمنح بحكم القانون.
 
حكاية من بلاد العجائب!!
يعرف الكثير من العمال والموظفين في سورية المحامي الذي (نكش) المرسوم /10/ لعام 1962 الذي أصدره آنذاك خالد العظم رئيس الوزراء، والذي يقضي بزيادة الرواتب /30 ـ 40/ ل.س، قال المحامي أن الحكومة لم تمنح هذه الزيادة وأنه يستطيع تحصيلها للعمال وبأثر رجعي، على أن يوكَّل رسمياً، وتكون نسبته /50%/ مما يحصَّله للعمال من الزيادة. وبدأ بإحدى شركات القطاع العام الكبرى في دمشق وأخذ حكماً وحصل للعمال على الزيادة وعلى مبلغ /80 ـ 90/ ألف ل.س، وبدأت الشركات واحدة بعد أخرى في توكيل المحامي، وبعد أن أخذ أحكاماً لأكثر من /90%/ من عمال شركات ومؤسسات القطاع العام، صدر قرار عن رئاسة الوزراء بمنح المرسوم لمن يستحقه، يعني بقي /20%/ من العمال لم يحصلوا عليه، وعندما صدر هذا القرار كان المحامي موكلاً عن الـ/20%/، فامتنعت النقابات عن دفع نسبة الـ/50%/ حصة المحامي لأن قرار منح المرسوم صدر عن المحكمة، ولكن المحامي العتيد استطاع أن يحجز لسنوات على أموال النقابات ويأخذ حقوقه، والمفارقة هنا أن بعض المحامين تم توكيلهم من بعض الشركات ولم يستطيعوا أخذ الأحكام!

وسألت المحامي يومها:«كيف تأخذ أحكاماً وغيرك لا يستطيع، وفي القضية نفسها؟»
أجاب: «أنا أعطي وأطعم من فوق إلى تحت».
وهكذا استطاع ذلك المحامي أن يأخذ أحكاماً تنفذ فور صدورها، وقرار رئاسة الوزراء لم ينفذ حتى الآن،  وكانت حصة المحامي مبالغ فلكية بمئات الملايين.
وحتى الآن هناك شركات كالمخابز وقسم من المطاحن حصلت على أحكام قضائية ولكنها لم تنفذ، والسبب أن المحامي قد توفي، وليس عدم توفر الاعتمادات!!
 
ماذا يقول قانون العقوبات؟
قانون العقوبات يعاقب على عدم تنفيذ الأحكام القضائية ويعتبرها جريمة كبرى.
فالفقرة /آ/ من المادة /361/ من قانون العقوبات تقول: «كل موظف يستعمل سلطته أو نفوذه مباشرة أو غير مباشرة ليعوق أو يؤخر تطبيق القوانين والأنظمة وجباية الرسوم أو الضرائب، أو تنفيذ حكم قضائي أو مذكرة قضائية، أو أي أمر صادر عن السلطة ذات الصلاحية، يعاقب بالحبس من 3 أشهر إلى سنتين».
والسؤال: من يعاقب من، ومن يحاسب من، ومن يعطل الأحكام القضائية؟
الإجابة: لا يوجد فصل للسلطة القضائية عن السلطة التشريعية أو التنفيذية، لذلك من الصعب تنفيذ أي حكم قضائي يراد له أن ينفذ، حيث يتم التأجيل وتتم المماطلة إلى ما لا نهاية. وهذا يعني بشكل أوضح بأن السلطة التنفيذية تنتهك قانون العقوبات ولا تنفذ أحكام أخذت الدرجة القطعية، ويعني هذا أيضاً إعطاء الضوء الأخضر لأي مواطن ليتهرب من أي قرار أو قانون يتخذ.
إن تنفيذ القرارت القضائية الصادرة لمصلحة العمال يتطلب إقرار القضاء كسلطة مستقلة، وضمان استقلاليته ونزاهته وكفاءته.
 
حقوق تنتظر المحاكم
منذ أكثر من 40 عاماً والوعود الحكومية مستمرة في إصدار قانون الضمان الصحي. وقد تكررت الوعود في العامين الأخيرين من وزيرة الشؤون الاجتماعية وجهات حكومية عديدة ولكن مازال إصداره متعثراً، وتشير مذكرة لاتحاد العمال في هذا العدد إلى أن /660/ ألف عامل من أصل مليون ونصف غير مستفيدين من الرعاية الصحية، إذ أن عدد العاملين في القطاع العام مليون عامل موزعين على قطاعين: القطاع الاقتصادي وعدد عماله /375/ ألف عامل، بينما القطاع الإداري وصل عدد عماله إلى /675/ ألف عامل، والمستفيدون من الرعاية الصحية هم مجموع العاملين في القطاع الاقتصادي، إضافة إلى /15/ ألف عامل من القطاع الإداري، وبالتالي يصبح عدد المستفيدين من الرعاية الصحية بحدود /380/ ألفاً، بينما يحرم من الرعاية الصحية أكثر من ثلثي العاملين وهم بحدود /660/ ألف عامل، والحكومة لا تنصف هؤلاء، وهم يستعدون الآن لإقامة دعوى قضائية لتحصيل حقوقهم، بعد إعطاء نصف حقوقهم للمحامين.
القوانين تنص على جميع حقوق العاملين المؤقتين والموسميين والذين يعملون بصكوك استخدام ، ولكن القوانين لا تنفذ، بعض هؤلاء يعمل منذ /10/ سنوات، وقد استفاد هؤلاء من الترفيعات، وحرموا من الإجازات الإدارية وحقوق أخرى، والجهاز المركزي للرقابة المالية  يعترض في أكثر الأحيان على ترفيع هؤلاء لأن خدماتهم غير متصلة، في هذه الحالة يبقى العامل الموسمي طيلة حياته على أجر بدء التعيين، بالإضافة إلى حرمانه من طبيعة العمل، رغم خطورة أعمال بعضهم. وهذه الشريحة تستعد الآن لإقامة دعاوى قضائية.
و في السنوات الماضية تم تسريح بعض العمال بحجج مختلفة، وقد تم أثبات براءتهم لدى القضاء، وهم يطالبون بحقوقهم ويستعدون لإقامة دعاوى قضائية.
عاملات التمريض والقبالة يطالبون بتسوية أوضاع خريجي مدارس التمريض (نظام الثلاث سنوات بعد شهادة الدراسة الإعدادية) وذلك بنقلهم من الفئة الثالثة إلى الفئة الثانية. ويستعد هؤلاء أيضاً لإقامة دعوى قضائية.
 
فتش عن وزارة المالية!!
جميع القضايا العمالية والإنتاجية هي في ملعب وزارة المالية، فهي عقدة المنشار ومن الصعب تجاوزها سواء من المواطنين أو الجهات العامة التي باتت في سوية واحدة مع المواطن من حيث التعامل المالي، ومن تلك القضايا مثلاً قضية أكثر من /3792/ عاملاً وموظفاً من فئات مختلفة «ثانية، ثالثة، رابعة، خامسة»، حيث وصلت رواتبهم إلى السقف مرتين في عام 1999 وفي عام 2007،  ولم يستفيدوا في المرة الأولى من ثلاثة ترفيعات متتالية، وفي الثانية لم يستفيدوا من الترفيع الدوري. وبالمقارنة بين رواتب هؤلاء العمال الساقفين ورواتب نظرائهم من العمال المعينين بعد عشر سنوات، وقد انتظروا إنصافهم من خلال رفع سقف فئاتهم لكي يستفيدوا من الترفيعات القادمة، ولم تلق مطالبهم أية استجابة.
كل هؤلاء يتحضرون الآن لإقامة دعوى على الدولة. والمفارقة العجيبة أن أكثر من محافظ أصدر تعاميم يطالب فيها الإسراع لتنفيذ دعاوى الدولة من أجل الحفاظ على حقوق الدولة والمال العام، والعمل على تنفيذ الإحكام الصادرة، ولكن من يصدر التعميمات باسم العمال والموظف والمواطن لتنفيذ الأحكام ضد الدولة لمصلحة هؤلاء؟
لا نعلم حتى الآن، ولكن فوق كل ذي علم عليم!!

معلومات إضافية

العدد رقم:
413