في مؤسسة الإسكان كما باقي الشركات فساد ومحسوبية على حساب الطبقة العاملة والاقتصاد الوطني
على الرغم من الظروف الاستثنائية التي تعيشها البلاد، بعد وقوع الأزمة المستعصية، ما زال البعض من أصحاب النفوس الضعيفة ينتظ اللحظة للانقضاض على ثروات الوطن والشعب، حيث كان لافتاً حين عبرت القوى والشخصيات الانتهازية عن نفسها أفضل تعبير فكشفت الحالة أن الفاسد في زمن الحرب أو الأزمات هو خائن بالإضافة إلى كونه فاسداً، والخطورة مضاعفة خصوصاً إن كان من ذوي المسؤوليات الكبيرة ويلحق به كثيرون في نهب البلاد والعباد.
وإن كنا في الظروف العادية نرى بلدنا مستباحاً لقوى جشعة لا يهمها سوى الإثراء على حساب الشعب كنا نرى أيضاً من يريد لهذا البلد أن يبقى قلعة صمود تتكسر عليها مؤامرات الخونة، والآن وبعد كل ما جرى و يجري نرى المشهد ذاته مطعماً بقدرة خاصة من بعض الفئات على استثمار الأزمات، غير مهتم لا بالوطن و لا بالمواطن.
ولا بد لنا أن نقف هنا أمام مثال حي لحالة عبث و صراخٍ ولا مبالاة، إنها حالة من يلتقط الفرصة الأخيرة لمزيد من الفساد و الإثراء فلعل بعد هذه الفرصة لن تكون الساحة مشرعنة لمثل هذا العبث..إنها مؤسسة الإسكان العسكرية.
فائض عمالة ومتعهدون ثانويون
مؤسسة الإسكان العسكرية من شركات البلد الإنشائية الهامة لما لها من تاريخ قديم ومزدهر في العطاء والوطنية، إنها ثمرة جهد عظيم لعشرات الألوف من عمال هذا البلد على مدى السنوات الماضية.
لكن ومع الأسف كان نصيبها أن أتتها الانتهازية لتغزوها، و تضرب في أطنابها الفساد منذ زمن بعيد ليصبح الفساد نهجاً و سلوكاً اعتيادياً في كل مفاصلها، ولكي لا يبقى الكلام في العموميات سندخل في بعض التفاصيل، ولا أزعم أنني أعرف أكثر عن البعض.
لذلك سنبدأ من توظيف العناصر من مهندسين و فنيين وإداريين ثم فئات العمال المختلفة، ففي مؤسسة الإسكان لا يوجد مسابقات توظيف بل يوجد إعلان دائم مكتوب: لا مجال للتوظيف لوجود فائض من العمالة، لكن من ومن خلف الكواليس تكون لهذه المسألة شقان:
يحدث أن من يعرف أحد المتنفذين في المؤسسة من مدير عام ومعاونيه أو مدراء الأفرع أو أحد الفاسدين الذين يعملون على حسابهم يستطيع ببساطة أن يوظف من يريد، ويجد له مكانا وعملاً مناسبين، ولا نعرف ما الثمن؟
الاسطوانة المتكررة التي يقولها المسؤولون في المؤسسة أن لديها فائض عمالة، لكن من الصعب إيجاد مشروع واحد يخلو من المتعهدين الثانويين الذين يقومون بتنفيذ بعض الأعمال بدل أن يقوم بها عمال المؤسسة نفسها.طبعا وكالعادة من دون معرفة الفائدة أو الثمن من ذلك.
فصل آخر
كم هائل من العمال يقارب أو يزيد عن الثلاثين ألف عامل لا يوجد من يمثلهم، ويدافع عن حقوقهم ويتحدث باسمهم برغم وجود جهتين تدعيان في المعامل العامة أنهما تمثلان العمال وهما:
مسؤولو أمن المؤسسة وضباط الأمن في الأفرع والمديريات التابعة لها.
فرع التوجيه السياسي مع ما يرتبط به من موجهين سياسيين في الأفرع والمديريات.
إن لفرع التوجيه هذا قصصه الخاصة إذ لم يكن في يوم من الايام إلا أشد خطراً على العمال، هو وممثلوه حيث أن الموجهين السياسيين المتواجدين بالأفرع والذين يمثلون العمال نظرياً يختصر جهدهم بحشد العمال لمصلحة المدير في أية قضية يريدها. سواء الانتخابية منها، أو كتلك التي تكون ذات مضمون استعراضي، وأحياناً أخرى كي يبدو المدير مهتماً بالوطن.
يحصل كل هذا من دون نسيان أن الموجه السياسي أو ممثل العاملين كما يحلو للبعض تسميته هو شخص ذو ارتباط عفوي بالمدير، فهو من يرشحه لذلك المنصب، ولا علاقة للعمال وإرادتهم بذلك الترشيح، إذ يعتبر الخادم الأمين لمصالح معلمه، والمتستر لعيوبه والحامي لفساده.
أما المسؤول الأمني فيختصر دوره بالإنقضاض على العامل إن كان قد تجرأ وعلا صوته على معلمه، وبالقانون، وهم بالطبع لا يرون ما يفعله المتنفذون لأنهم جهة واحدة، بأهداف ونوايا واحدة، فقد يكون المسؤول الأمني هو نفسه الموجه السياسي، وقد يضاف لتلك المهام الخلبية مهمة مدير إداري، وقد يبقى ذلك المدير لسنين طويلة دون أن يتجرأ أحد على توجيه أي تنبيه أو انتقاد له، لا بل هو من يتجرأ على الآخرين ويقدحهم، ويتستر على شركائه في الفساد لحماية نفسه، وهنا يصح قول المفكر طيب تيزيني الكل يغرق بالفساد ليصبح الجميع حامياً للجميع.
نهج الاستسلام خوفاً على اللقمة
وبالمحصلة لا يستطيع العامل أخذ حقه المسلوب، وبالتراكم الكمي لذلك الحق أصبح نهج الاستسلام هو الطريق الأوحد للعمال، ومن يخرج عن هذا النهج يبعد، إما بالتسريح أو بالنقل التعسفي إلى مكان آخر بحيث لا يتلاءم مع مكان إقامته، وهذه الظاهرة تكررت بأشكال مختلفة، فمن لا يروق للمدير أياً كان يستطيع تقديم اقتراحٍ بنقله إلى مكان آخر. ويتم الأمر دون الرجوع إلى أية جهة وصائية، وقد يكون نقل الشخص تعبيراً عن خلاف شخصي أو عدم ارتياح، وأحياناً لأمتلاكه رأياً لا يروق لمديره.
الفصول تتواصل
لقد أصبح الاستماع لمنظري المؤسسة عبر محاضراتهم عن حرصهم على الدفاع عن البلد، ووقوفهم إلى جانب الإصلاح ودعمه أمراً يومياً، كل ذلك لكي يثبتوا صحة مزاعمهم، فلا تفوتهم مسيرة ولا احتفال إلا ويشاركون به حتى إن تطلبت الحاجة أن يعطلوا بعض العمال العصي ليستخدموها وقت الحاجة فلا يقصرون في ذلك.
ولكن كما أعتقد للإصلاح و البناء طريق يختلف عن هذا الطريق الذي يسلكونه، فلا أعتقد أن من يوقف العمل بأحد المشاريع ليشارك في مسيرة هي خدمة للوطن في ظل فائض إداري يستطيع القيام بمثل هذه المهمة، بل أعتقد أن هذا العمل لتبرير التقصير والهدر والسرقة، وبالتالي خسارة المشروع تحت حجج زائفة متخفين بستار الوطنية.
إن قضية الكم الهائل من الآليات الخفيفة التي يركبها كل من يرتبط بمسؤولي المؤسسة بصلة لا علاقة لها بالإنتاج بل كل ما يفعله أصحابها أنهم يذهبون ويأتون بسيارات تستهلك الوقود والصيانة المتكررة، وغير ذلك والثمن الذي يدفعه راكبو تلك السيارات هو ولاؤهم وتسويقهم لرغبات المدير، وإعلاء شأنه على أن ما يقوله ويقوم به يفوق قدرات الناس العاديين على فعله.
هذا من جانب ومن الجانب الآخر هو قوافل السيارات التي تخص المدير بذاته، والسيارات التي تخص عائلته مع كل ما يلزم ذلك من سائقين وخدم وحشم، وآخرين يعملون حسب الطلب، وللعلم فإن تلك السيارات الفارهة لا يستطيع مزاج المدير أن يتقبلها طويلاً، ففي كل فترة زمنية يتم شراء كمية من السيارات الخفيفة الجديدة للمدراء، ومن يدور في فلكهم، وقد حدث هذا في عز أزمة البلد للأسف، ففي الوقت الذي نحن بأمس الحاجة إلى مواد البناء والمعدات الهندسية خدمة للعملية الإنتاجية. كما هي الحاجة لتأمين رواتب العمال التي بدأنا نرى معاناة في تحصيلها يحصل كل هذا التبذير. وفي هذا الجانب فقد سمعنا بعض المطالبات بإعفاء مؤسسة الإسكان من شروط المؤسسة العامة للإسكان بخصوص الاكتتاب على شقق سكنية، وحصر الموضوع بيد المدير العام ليعطي موافقاته كما يشاء ولمن يشاء.
وللوقوف على هذا الموضوع أرى أنها محاولة لتبرير الخسائر كما هي محاولة لاستغلال الظروف لإعادة إنتاج شبكة علاقات نفعية ترتبط مباشرة بمسؤولي المؤسسة ولتقييم ذلك نعود إلى الماضي قليلاً.
«الخيار والفقوس» في توزيع الشقق
بنت مؤسسة الإسكان عبر تاريخها ضواحي سكنية متفاوتة الأهمية والسعر، ويبدو أن من يحصلون على هذه البيوت متفاوتون أيضاً في الصفات نفسها، حيث المدراء يحصلون على بيوتهم بمناطق هامة وسياحية وذات أسعار عالية يكسبون من ورائها الملايين عند بيعها ليحصلوا على غيرها في مكان آخر، والأمثلة على ذلك كثيرة وما زالت في البال، أما باقي فئات الشعب وبيوتهم في أمكنة أخرى أقل أهمية وسعراً.
وبحساب بسيط يمكننا تقدير أرباح أسعار الشقق التي حصل عليها المتنفذون عبر موافقات من الإدارة بمئات الملايين من الليرات السورية، فما المشكلة لو كانت تلك الأموال لمصلحة مالية المؤسسة وقواها الإنتاجية بدلاً من جيوب مجموعة من الأشخاص؟؟!.
فعلى سبيل المثال لا الحصر في قرى الأسد بالديماس كانت الموافقات بيد المدير العام لمؤسسة الإسكان العسكرية الذي يعطي لمن يشاء موافقته بمسكن، ومعظم من حازوا على البيوت كانت لغاية البيع حيث تفاوتت الأرباح من مليون إلى عشرة ملايين حسب الزمن.
وكذلك الأمر نفسه ما يسمى بأبراج دمر الشرقية التي تعود لمحافظة دمشق، ولكن مؤسسة الإسكان المنفذ لبرجين منها، كانت لها حصتها من مجموعة شقق وزعها المدير العام لشخصيات محسوبة عليه، وهؤلاء بدورهم باعوا مساكنهم بأرباح تزيد عن 10 مليون للمسكن الواحد، وهنا السؤال الذي يطرح نفسه هو: ألم يكن الأحرى بالسيد المدير العام وضع تلك المبالغ لحساب مالية المؤسسة ليستفيد منها الجميع، علماً بأن كلفة الحفريات فقط في أربعة أبراج تتجاوز كلفة ضاحية سكنية كاملة تكفي لأكثر من خمسة آلاف مواطن؟؟!.
وعلى الرغم من كل تلك التجاوزات لم تشبع ذوو البطون الكبيرة، فأين الإصلاح والتطوير ومكافحة الفساد، والعمل بالمراسيم والقوانين التي أصدرتها القيادة السياسية في البلد لترسيخ مبدأ سيادة القانون في المؤسسة من كل هذا؟؟!.
إن ما يمكن المطالبة به في هذا المقام، ولكي لا يكون الخصم هو الحكم نفسه، لا بد من المطالبة بإدراج مؤسسة الإسكان ضمن اتحاد ونقابات العمال مثل باقي شركات القطاع العام، وأن يخضع قادة المؤسسة إلى المساءلة عبر مقولة من أين لك هذا؟ وأن يوضع نظام داخلي خاص بالمؤسسة يحافظ عليها كقطاع عام هام في البلد يراعي ويحمي العاملين من خطر الفاسدين.