أجورنا .. حبلنا السري فلا تقطعوه
قُدر علينا منذ بدء الأزمة، أن نُجبر قسراً (كما جرت العادة) على الإنصات للكوانة المثقوبة، ولحنها النشاز من قبل المروجين لليبرالية الاقتصادية أو المتورطين فيها (وهم عنها غافلون) فيطرحون سيمفونياتهم في الأسواق تباعاً ويسوقونها بشطارة ويقنعون بها حتى أولئك الذين يمثلون العمال, وأحدث ما تم إبداعه مؤخراً السمفونية العجيبة التي مفادها :عمالنا لا يعملون بأجورهم بل بوطنيتهم فأجورهم لا تكفي ثمناً للخبز.
لقد صدقت المقولة في أمرين أولهما أن الأجر الحالي بقيمته الشرائية غير قادر على تأمين الحد الأدنى من الطعام لأسرة سورية تعتمد على أجر والأمر الثاني أن عمالنا وطنيون وهذا والله حق, اذاً ما وجه الاعتراض على هذه المقولة التي تتردد بمناسبة ومن غير مناسبة ومن مصادر نقابية أغلب الظن أنها لا تعي ما بطن فيها.
ما معنى هذا الكلام؟
إن الربط بين الأجر والوطنية بحد ذاته بهذه الطريقة كمن يقول بأن من لا يرضى العمل في ظل أجور كهذه مشكوك بوطنيته وبأن من يرفع صوته أو يصرخ أو يعتصم أو يُضرب عن العمل من أجل أن يحصل على أجر عادل قد خرج بأفعاله تلك عن المسار الوطني وبأن شهادة الوطنية لن تعطى لأي أحد قد يترك عمله أو يستقيل منه أو يسافر ليقصد رزقه في البلدان المجاورة و وراء البحار, وكأن هؤلاء المعترضين والباحثين عن أجر أفضل كلهم يؤمنون به طعام أولادهم لا يعرفون (نكتة) نقص الموارد التي تطلقها الحكومة ولا يرون بأم أعينهم ماكينات النهب والفساد تسحب بالجملة والمفرق مليارات الليرات كي تصب في بطون الناهبين وحساباتهم البنكية, مع أنها بالأصل أموالهم وتعبهم وعرقهم وكدّ يمينهم.
كرامة الوطن والمواطن
عندما يسرق الوطن وتنهب خيراته وعندما تدار الدّفة الاقتصادية في البلاد لمصلحة أصحاب الأرباح، ورؤوس الأموال، وعندما تبقى الثروة توزع بهذا المستوى من الظلم وحين يصيب الفقر والحرمان كل الطبقة العاملة. عندها يصبح الوطن حلماً مصادراً منهم يشعرون بأنهم (كمالة عدد) فالأجر العادل الذي من المفترض أن يتقاضاه العامل بشكل مباشر أو غير مباشر (الخدمات العامة, الدعم) مقابل عرقه و مشاركته في الإنتاج الوطني والاقتصاد الوطني هو حبل السرة بالنسبة له و هو العامل الأبرز الذي يضمن له أن يعيش كمواطن كريم في وطن كريم فكرامة الوطن من كرامة مواطنيه وهما فوق كل اعتبار.