سهيل قوطرش سهيل قوطرش

بصراحة: التعاميم والبلاغات جامدة ..وشجرة الحياة في اخضرار دائم

قيل: «النظرية جامدة وشجرة الحياة في اخضرار دائم». نعم إنها الحياة تسير دائماً إلى الأمام وعجلة التاريخ لا يمكن أن تعود إلى الخلف هذه حقيقة سرمدية.

 لكن إداراتنا أرادت أن ترجع عجلة التاريخ إلى الوراء إلى نظام العبودية مستغلة تحكم العقلية البيروقراطية على قرار السلطة التنفيذية التي ما عرفت من الإصلاح والتطوير إلا إصدار البلاغات والتعاميم التي تكرس عبودية العامل لصاحب العمل أياً كان موقعه في القطاع العام والخاص أو المشترك، متسترة تحت شعار التحديث والتطوير والإصلاح الاقتصادي والإداري..
علماً بأن العقلية البيروقراطية المتحكمة في مفاصل القرار لدى السلطة التنفيذية بعيدة كل البعد عن جوهر الإصلاح والتطوير وهي بتناقضاتها فسحت المجال لإجهاض عملية التطوير والتحديث في البلاد.
لقد استشير العاملون أخيراً بعد الاجتماع الأول للحكومة والتي صدر عنها التوجيه الذي يلغي كل القرارات والبلاغات والتعاميم التي تتناقض مع القوانين حيث أعطيت الإدارات والوزارات صلاحيات كبيرة من خلال تقليص الروتين المتبع، وتم التوجيه بإنجاز كل المعاملات المتعلقة بالشأن العام خلال فترة وجيزة ومحددة.

ولكن بعد مضي عام على هذه التوجهات نلاحظ بأن السلطة التنفيذية ما خرجت من العقلية البيروقراطية حيث صادرت الاستقلالية النسبية التي أعطتها للإدارات في الجهات العامة وتجلى ذلك في:
أولاً ـ الالتفاف على القانون رقم /8/ لعام /2001/ الصادر عن السيد رئيس الجمهورية والقاضي بتثبيت المؤقتين في الدولة والذين مضى على استخدامهم سنوات طويلة حيث جاء هذا القانون لينسجم مع وجهات الحركة النقابية وكل القوى الوطنية والتقدمية التي ناضلت من أجل عدم المساس بحقوق عمالنا، وإزالة كابوس التسريح عن صدورهم مما سنعكس إيجابياً على استقرارهم الاجتماعي والاقتصادي ويساهموا بدورهم في العملية الإنتاجية.

ولكن تعميم رئاسة مجلس الوزراء رقم /7370/ 15 تاريخ 25/8/2001 والذي طُلب بموجبه من جميع الوزارات والإدارات والمؤسسات وسائر الجهات العامة إرسال مشاريع قرارات تثبيت العاملين التي يجري إعدادها تنفيذاً لأحكام القانون رقم /8/ لعام /2001/ إلى الجهاز المركزي للرقابة المالية لتدقيقها وتأشيرها ورفعها إلى رئاسة مجلس الوزراء لإقرار المطلوب. مما أدى إلى تعقيدات لا مبرر لها وساهم بشكل أو بآخر بإجهاض هذا المرسوم الجمهوري الذي لاقى ارتياحاً من أعداد كبيرة من طبقتنا العملة.
ثانياً ـ جاءت توجهات رئاسة مجلس الوزراء لتضع تعقيدات كثيرة على دوام العاملين في الجهات العامة بحجة ضبط الدوام وهذه التعليمات جاءت أيضاً مخالفة للقانون الأساسي للعاملين في الدولة الذي حدد الحقوق والواجبات للعاملين، فمن غير المعقول أن لا يسمح للعامل إذا تأخر عن دوامه في الصباح بالدخول إلى معمله علماً أن القانون حدد عقوبة التأخير بحسم من أجر العامل مدة التأخير لا أن يشطب يوم كامل ويعود العامل إلى منزله. وهل يعقل أن يشطب دوام عامل وهو على رأس عمله إذا ارتكب مخالفة بسيطة علماً بأن القانون تدرج في العقوبات بدءاً من الإنذار إلى التنبيه إلى الحسم بنسبة محددة من راتبه، وهل يعقل أن يهدد العامل بلقمة عيشه إذا طالب بحق من حقوقه.
إن هذه التوجهات إن دلت على شيء فإنما تدل على فشل الإدارة الاقتصادية في تحقيق الإنتاجية، حيث تئن شركاتنا واقتصادنا نتيجة لقصور هذه الإدارات التي تعمل على التستر على فشلها بإرباك العاملين بتوجهات لا مبرر لها بحجة الالتزام بالقوانين والتعاميم الصادرة عن رئاسة مجلس الوزراء بحجة ضبط التسيب الحاصل في الجهات العامة...
عاملنا لم يكن في يوم من الأيام من هواة التسيب أو اللامبالاة، بل كان دائماً ملتزماً بعمله منتجاً، ضحى في الأيام العصيبة بمصالحه الخاصة من أجل مصلحة الوطن.
ولهذا نرى أن مواجهة مثل هذه الظواهر يتطلب منا دراسة هذه الظواهر والبحث عن أسبابها المباشرة وغير المباشرة وليس محاربة العامل بلقمة عيش أطفاله. ألا يكفيه بأنه يعمل ست عشرة ساعة لتأمين الحد الأدنى للمعيشة.
علينا جميعاً أن نرتقي بعملنا لنقف بوجه مثل هذه الممارسات التي قد تؤدي إلى خفض إنتاجية عاملنا كماً ونوعاً، ولنذكر الجميع بأن التعاميم والبلاغات جامدة وشجرة الحياة في اخضرار دائم.