بصراحة... هل الاقتصاد الوطني عبء على الحكومة أم أن الحكومة قد غدت عبئاً على الاقتصاد الوطني؟

منذ أكثر من عشرين عاماً، يدور نقاش حاد و شامل في البلاد حول الأزمة الاقتصادية والركود الاقتصادي وأخطاره على السياسة الوطنية السورية...

وقد تعددت الآراء والاتجاهات لمعالجة هذا الواقع الذي بات يهدد الأمن الاجتماعي نتيجة لتدهور الاقتصاد الوطني الذي انعكس سلباً على تطور الحياة الاجتماعية، فارتفاع نسبة البطالة قد تجاوز 15% حسب الاحصاءات الرسمية، كما تجاوز الـ 20-25% حسب الاحصاءات غير الرسمية، علماً أن نسبة العاطلين عن العمل من الخريجين الوافدين لسوق العمل لأول مرة تفوق نسبة 75% من مجموع خريجي الجامعات و المعاهد والمدارس. وهذه إشكالية كبيرة تؤثر بشكل أو بآخر على ازدياد الأمراض الاجتماعية التي نحن بغنى عنها. وكما أشير سابقاً فقد عقدت ندوات عديدة واجتماعات موسعة و برامج كثيرة، جميعها وضعت لمواجهة إشكاليات الوضع الاقتصادي منذ أكثر من خمسة و عشرين عاماً، أما النتيجة فكانت واحدة وهي أن الوضع في تدهور متضاعف. والسؤال الذي يطرح نفسه علينا جميعاً الآن هو:

هل ما توصلت إليه أحزابنا و قوانا الوطنية ومنظماتنا الشعبية والمهنية وعلماء اقتصادنا ببرامج إصلاحهم الاقتصادي، لم يكن إلا حبراً على ورق ؟ وهل درست برامج هذه القوى واقعنا الاقتصادي بشكل علمي و عملي أم أن القضية تتعدى هذا كله. 

دعونا نشخص الحالة بصراحة و جرأة ..

كل برامج القوى الوطنية كانت صحيحة، ولكن الإشكالية هي أن هذه البرامج كانت بحاجة إلى آليات لتنفيذها، ومع الأسف الشديد وضعت آليات التنفيذ بأيد غير أمينة، آثرت مصالحها الخاصة على مصالح الوطن و المواطن، فجنت ثرواتها الطائلة على حساب اقتصادنا الوطني، حيث لعبت البورجوازية الطفيلية المتحكمة بالقرار الاقتصادي، بتواطئها مع البرجوازية البيروقراطية، على نهب ما يزيد عن20-35%من دخلنا الوطني؛ هذا النهب الذي أثر على التطور الاقتصادي للبلاد بشكل سلبي وأثر وبأشكال مختلفة على تدني المستوى المعاشي للعاملين بأجر؛ و هنا لا بد من الإشارة إلى أن الخلل الموجود في إدارة اقتصادنا الوطني، والتي عملت على تثبيت سياسات النهب هذه، هي أن التعاميم والتوجهات والبلاغات كانت تعطل العمل بالقوانين وتضع الاستثناءات والإعفاءات بشكل يتنافى مع المصلحة العليا للبلاد، وبما يخدم مصالح البورجوازية الجديدة الناشئة.

حيث لا يستطيع أحد أن يحاسب إدارة اقتصادنا الوطني على ما اقترفته.. و بالطبع يُضحّى دائماً بأضعف مفاصل النهب بينما تسرح و تمرح الحيتان الكبيرة.. وينتج هذا عن اعتبار السلطة التنفيذية فوق كل السلطات فهي فوق الحساب والمحاسبة ،تفصّل اتجاهات العمل في القوانين بما يخدم مصالحها ولو تعارضت هذه المصالح مع مصلحة البلاد العليا.

وأمثلتنا على ذلك كثيرة بدءاً من فضائح عائدات الجمارك إلى المشاريع الوهمية التي كلفت إقامتها سحب مليارات الليرات من المصرف الصناعي دون أن تجري محاسبة من وافق على مثل هذه القروض، أو من أعطيت له. والتسعير العشوائي والمخالفات في مواصفات العديد من السلع وفتح الآبار العشوائية مما سبب الخلل في حوض دمشق وكثير غيره.. كلها مقابل «خُوّات» محددة تقدم للجهات الوصائية. فالرقابة تحتاج لرقابة عليها والكل يأكل الكل.. الحقيقة مُرة، فبلادنا غنية بمواردها و بقواها العاملة التي يحاول البعض توجيه أصابع الاتهام إليها لكونها برأيهم السبب في الأزمة الاقتصادية، حيث يحاولون إخفاء سلبياتهم بتحميل الطبقة العاملة تبعات نهبهم لاقتصادنا الوطني. إنهم يطالبون بفصل الدور الاقتصادي للدولة عن دورها الاجتماعي لأنهم يحتاجون إلى شماعة يعلقون عليها فشلهم، فدعونا نَقُلْها صريحة أن السلطة التنفيذية بسياساتها المتبعة قد غدت عبئاً على الاقتصاد الوطني بكل فروعه، ولهذا علينا أن نباشر بوضع آليات العمل التي تجعلنا جميعاً تحت القانون لا فوقه بدون استثناء، ولنعمل من أجل بناء سورية نظيفة من اللصوص والعابثين بأمننا الاقتصادي.

 ■ سهيل قوطرش

 

s.koutrash.kassioun.org