بصراحة الإصلاح الاقتصادي . . . . قرار سياسي بامتياز في نهاية المطاف
ماتزال قضية الإصلاح الاقتصادي في البلاد تأخذ حيزاً كبيراً من النقاش، وكل يدير هذا النقاش تبعاً للمدرسة الاقتصادية التي ينتمي إليها والجهة التي يعبر عن مصالحها.
فممثلوا الليبرالية الجديدة يحاولون أن يفرضوا اتجاههم وتوجهاتهم مستفيدين من الأخطاء الكبيرة التي ارتكبت وأدت إلى الأزمة الاقتصادية التي نعيشها في هذه المرحلة.
بغض النظر عن الأسباب الحقيقية لهذه الأزمة ومسبباتها، لأنهم يعملون على الاستفادة من هذه اللحظة ليس لمعالجة الأزمة بحد ذاتها بل من أجل استخدامها لتحقيق مشروعهم الاقتصادي الانتقامي مما يكفل لهم تحقيق أرباح سريعة بغض النظر عن الكيفية التي سيحققون من خلالها هذه الأرباح، ولو كانت على حساب القضية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، فهم بذلك يعملون على تنفيذ التوجهات التي تعمل على ربط اقتصادنا الوطني بالاقتصاد المعولم، ليس من خلال علاقات اقتصادية متوازنة ومتساوية بل من خلال ربط اقتصادنا بشكل كامل بهذا الاقتصاد، أي بعبارة صريحة بتبعية كاملة بالشكل الذي سيؤثر مستقبلاً على قرارنا الوطني، وهنا نستطيع أن نقول بأن هذا المشروع إذا نجح سيكون قد هدم لنا أول ركن من أركان استقلالنا وسيادتنا الوطنية التي حصلنا عليها بدماء شهداءنا الأبرار.
- الاتجاه البيروقراطي: يريد أن يجري إصلاحات في الاقتصاد الوطني مع الحفاظ على أعلى معدلات النهب الموجودة لهذا الاقتصاد والتي يستفيد منها ويفيد بعض المتنفذين في بعض مراكز القرار الذين يدعمون أصلاً وجود واستمرار هذا الاتجاه، مما ينعكس سلباً على أداء اقتصادنا الوطني بشكل عام، ويؤثر على تطوره ويصوره عبارة عن جيفة لايمكن إحياءها ويجب التخلص منها ولو بأي شكل وهؤلاء هم من نهبوا هذا الاقتصاد ويعملون على دفنه لإخفاء معالم جريمتهم التي ارتكبوها عبر حقبات زمنية متباعدة.
- اتجاه وطني: يتمثل بالقوى السياسية الوطنية الموجودة على الساحة السورية بكل مشاربها الفكرية والعقائدية، والحركة النقابية وغيرها من المنظمات التي يهمها الوطن.
استشعرت الأخطار المحدقة على اقتصادنا الوطني منذ فترة طويلة وتنبهت لخطورة الاستمرار في هذا الاتجاه ووضعت رؤيتها المتكاملة لعملية الإصلاح من خلال برامجها التي طرحتها آنذاك، وكان مؤتمر الإبداع الوطني والاعتماد على الذات الذي دعت إليه الحركة النقابية نقطة أولية في معالجة الخلل الحاصل في بنية اقتصادنا الوطني والذي ساهم فيه إلى جانب الاتحاد العام لنقابات العمال كل الفعاليات الاقتصادية الوطنية من داخل الأحزاب وخارجها، ولكن للأسف الشديد أن هذا البرنامج لم يعجب البرجوازية البيروقراطية المتمترسة في مواقع القرار الاقتصادي آنذاك لأنه يختلف بشكل جذري مع توجهاتها أولاً.
وثانياً: أن القوى صاحبة هذا المشروع لم تستطع أن تدافع عنه بالشكل المطلوب حيث سلمت الراية واستكانت للحكومة التي وضعته في أرشيفها ولم تستخدم قواها الحية لفرضه ولم تحرك ساكناً، وهنا بدأت القوى الأخرى المناهضة تكشف ضعف القوى الوطنية المنقسمة على ذاتها حيث أنها لاتستطيع تحويل شعاراتها إلى قوة مادية في الشارع تحت مبررات لامبرر لها، مما أعطى القوى المضادة الفرصة للتصرف بمقدرات البلاد على طول ساحة الوطن وعرضها مستفيدة من هذا الضعف والتناقض بين القوى الوطنية المنقسمة على ذاتها والتي أثرت سلباً على تطور البلاد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
وأعطت دفعاً قوياً للقوى المضادة لتقوى وتستفيد من هذه التناقضات بين القوى الوطنية لتشدد من قبضتها على الاقتصاد الوطني الذي يمثل العمود الفقري للصمود فأنهكته وأعدته لمعركة الاستسلام المقبلة التي خططت لها منذ عقود مستفيدة من الأجواء على الصعيد العالمي وبدأت هجومها المنظم بعد أن فتت الأحزاب السياسية بصفتها القوى المنتجة للفكر الذي يقوي ويقوم نضال الطبقة العاملة والقوى الشريفة في البلاد.
فتوجهت إلى الطبقة العاملة وحركتها النقابية وأخذت تعزلها تدريجياً وتزيد من التناقض بين رأس الحركة النقابية وقاعدتها بخلق الإرباكات للقيادة النقابية بعدم تنفيذ المطالب المحقة للطبقة العاملة مما يساهم في إضعاف هيبة هذه الحركة أمام عمالها.
إن التناقض الذي تصنعه هذه القوى ووقعت بشركه القيادة النقابية بدعوى دفاعها عن سياسة الحكومة بالمطلق واستسلامها أمامها، وهي في الوقت نفسه أوقعت نفسها بشراك القوى البيروقراطية الموجودة في مواقع القرار في السلطة التنفيذية حيث لم تفرق مابين السلطة التنفيذية أي الحكومة والحكم بما يحمله من توجهات وطنية لأحزابه ولاسيما المؤتمر العاشر لحزب البعث والحكومة التي لم تنفذ هذه القرارات بل نفذت عكسها وعملت على إفراغها من مضمونها.
و المطلوب اليوم لحسم هذا الصراع أن تلتف الطبقة العاملة حول القرار السياسي المقاوم لكل مشاريع الاستسلام السياسية والاقتصادية والاجتماعية والذي اختار المقاومة بكل أشكالها خياراً استراتيجياً للوقوف بوجه كل المؤامرات الرامية لإركاع سورية وتحويلها إلى قاعدة متقدمة للإمبريالية ضد شعوب المنطقة وعلينا في الطبقة العاملة أن ننتزع المبادرة ونتحد مع قوانا الوطنية الشريفة بمجموعات عمل لإنقاذ اقتصادنا الوطني وأن نبادر لتشجيع الصناعة الوطنية وتحسينها ووضع الحلول الناجحة لتسويقها، وأن نضرب مواقع الفساد والمفسدين في مواقعنا الإنتاجية، وأن نعمل على دعم الصناعة الوطنية وليكن شعارنا: «ويل لأمة تأكل مما لاتزرع وتلبس مما لاتصنع».
فسورية لنا وليست للبرجوازية البيروقراطية وغيرهم الذين يسيطرون على مواقع القرار الاقتصادي ولايعرفون إلا التلاعب بالأرقام، وبالنتيجة نقولها صريحة: نسمع جعجعة ولانرى طحيناً، كما نقول بأنه آن الأوان لتنفيذ إصلاح اقتصادي حقيقي يبدأ بقرار سياسي بمحاسبة الفساد والمفسدين ويضع حداً لقوى النهب الحقيقية المتمركزة والمتركزة في مواقع القرار السياسي والاقتصادي والتي تعمل على إعاقة مشروع الإصلاح الحقيقي الذي يخدم مصالح البلاد والعباد.