الحركة النقابية والمسؤولية التاريخية لا تهاون في الدفاع عن حقوق العمال
ومن المفيد الإشارة إلى ما يمكن أن تقوم به الحركة النقابية من خلال مؤتمراتها والتي هي الأخيرة في هذه الدورة من تقييم شامل يتصف بالجدية والشفافية والجرأة، ويخرج عن إطار التقارير المعتادة التي لم تقدم للحركة النقابية والطبقة العاملة ما يمكن اعتباره تقييماً لتجربتها خلال هذه الدورة والتي امتازت بـ:
أولاً: سياسياً: مأزق المشروع الأمريكي ومراوحته في المكان نتيجة للدور الذي لعبته المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق، مما أدى إلى توالي موجات الضغط السياسي والاقتصادي على سورية لموقفها الممانع للمشروع الأمريكي، وإصرارها على دعم المقاومة مما يترتب عليه ضرورة تعزيز هذا الدور واستمراريته من خلال تعزيز الوحدة الوطنية الداخلية، وخلق الإمكانيات الضرورية لصمود الشعب السوري بتحسين أوضاعه المعيشية وإطلاق الحريات الديمقراطية التي تمكنه من مواجهة قوى السوق الكبرى التي هي نقاط اختراق للعدو الخارجي وهي مركز للنهب والفساد الداخلي، وللحركة النقابية دور مهم في هذا السياق من خلال دفاعها عن القطاع العام وتعرية ناهبيه وكشفهم ومقاومتهم، وكذلك الدفاع عن حقوق الطبقة العاملة السورية وتحسين مستوى معيشتها وزيادة أجورها زيادة فعلية.
ثانياً اقتصادياً: لتسارع الإجراءات والبرامج التي تقوم بها الحكومة باتجاه نقل الاقتصاد السوري إلى اقتصاد السوق من خلال التشريعات والمراسيم والتوجيهات المختلفة، والتي تعمل على تقديم كل التسهيلات والإعفاءات وحرية الحركة لرؤوس الأموال الأجنبية والعربية باعتبار تلك الأموال القادمة هي خشبة الخلاص للاقتصاد السوري وللمشاكل الاجتماعية مثل البطالة والفقر.
لقد لعبت الحركة النقابية دوراً مهماً في إفشال موجات الخصخصة التي سعت إليها الحكومة من طرح شركات عدة للاستثمار كالموانئ والسكك الحديدية، وهي لن تتوقف عند هذا الحد، بل ستسعى بأشكال أخرى للخصخصة مثل التشاركية، وتطوير رؤوس أموال الشركات من خلال طرح أصولها للبيع كأسهم... الخ.. مما يوجب على القوى الوطنية والحركة النقابية التنبه لهذه المخططات ومواجهتها بحزم.
ثالثاً: المستوى المعيشي الذي يضغط بقوة على الطبقة العاملة السورية من خلال ارتفاعات الأسعار المتصاعد بحدة منذ عدة سنوات، والذي وصل الآن إلى مرحلة خطرة أدى إلى تدني القيمة الفعلية للأجور مما زاد من تفاقم الأوضاع المعيشية للعمال على الرغم من التطمينات التي تقدمها الحكومة والأسباب التي تؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وكذلك قيادة الحركة النقابية التي تساعد على إشاعة تلك التطمينات في أوساط الطبقة العاملة من خلال التصريح الدائم بأن الأجور زادت 100% دون الإفصاح عن أن هذه الزيادات زيادات اسمية لا تلبي حاجات العمال الفعلية لشراء ما يلزم من غذاء وكساء وسكن وطبابة وتعليم...الخ, والدليل هو وضع الطبقة العاملة وما تعكسه النقابات وغير النقابات في المطارح المختلفة.
رابعاً: الوضع النقابي من ناحية قدرة الحركة النقابية على خلق تلك الصلة القوية مع الطبقة العاملة والقدرة على تعبئتها وتنظيم حركتها بالشكل الذي يؤمن فاعليتها في تحقيق مطالبها المتطورة دوماً مع تطور الحياة، والدفاع عن حقوقها المكتسبة والتي يجري الهجوم عليها بأشكال مختلفة، قانونية وإجرائية، مما يزيد البون بين الحركة النقابية والطبقة العاملة اتساعاً وتباعداً، وهذا يمكّن أعداء العمال والحركة النقابية من الاستفادة القصوى من الثغرات التي تراكمت عبر سنوات من الممارسة الخاطئة، وتكريس انطباع خاطئ عند العمال بعدم جدوى النضال النقابي وعدم فاعليته في الدفاع عن مصالحهم، وخاصة لدى عمال القطاع الخاص الذين أقل ما يقال عن علاقتهم المفترضة بالتنظيم النقابي إنها شبه مقطوعة، حيث تتوارد الإشارات من داخل الحركة النقابية ومن خارجها محذرة من استمرار هذا الوضع غير الطبيعي بين الحركة وقاعدتها العمالية، ومحذرة في الوقت نفسه من إمكانية نشوء نقابات تعبر عن مصالح عمال القطاع الخاص.
إن تقييم الحركة النقابية لتجربتها خلال الدورة المنصرمة على أساس الظروف التي أحاطت بعملها وأسلوب عملها، وعلى أساس ما هو قادم وفق المقترحات التي تتوضح الآن سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، كل ذلك سيمكنها من لعب الدور المهم والأساسي المنوط بها كحركة وطنية وكحركة عمالية من أجل الدفاع عن كرامة الوطن وكرامة الطبقة العاملة.