نقابات سورية تعقد مؤتمراتها المهنية.. خلاصات أولية.. الوزراء يحمّلون العمال مسؤولية ما جرى للقطاع العام
جاءت مؤتمرات الاتحادات المهنية للنقابات كختام لمؤتمرات اتحادات المحافظات والتي عكست إلى حد بعيد واقع الحركة العمالية، ومعاناتها، وحقوقها، ومكاسبها، ومطالبها، وعكست أيضاً تخوفاتها على القطاع العام ودوره المستقبلي، وتعاطي الحكومة مع هذا القطاع الحيوي في توجهاتها لكي يستمر في أداء دوره السياسي والاقتصادي والاجتماعي. النقابيون أكدوا أن العديد العديد من القضايا تُدوّر من عام إلى عام دون نتائج ملموسة على طريق حلها.. وقد تماثلت المؤتمرات المهنية في القضايا المطروحة مع تمايز في المطالب بين مهنة وأخرى.
المداخلات التي طرحت ركزت بمعظمها على القضايا التالية:
1 ـ القطاع العام الصناعي والإنشائي.. واقعه الحالي واتجاهات الإصلاح التي تقوم بها الحكومة.
2 ـ تخوفات النقابيين المشروعة من ترك شركات القطاع العام تموت شيئاً فشيئاً دون العمل على تقديم حلول ودعم لهذه الشركات تمكنها من الإنتاج وهي قادرة على ذلك، بينما في الجانب الآخر تدعم الاستثمارات الخارجية وتصدر لها كل ما تحتاجه من قوانين وتشريعات وتسهيلات أي أن الحكومة تكيل بمكيالين.
3 ـ الموقف من الفساد والنهب وضرورة محاربة وتخليص القطاع من رموزه العلنيين والمستورين، فقد جاء في مداخلة لنقابات حمص (من كانت أوطانهم في جيوبهم لا يربطهم بمصالح الوطن والشعب غير النهب والتسلط، فأوطانهم حيث تكون حساباتهم).
وتابعت المداخلة: «إن الحرامية الكبار ينهبون الملكية العامة ويحولونها إلى ملكية خاصة وتوجهاتهم النهائية السيطرة على القرار السياسي.. إن من يملك يحكم».
4 ـ البطالة: فقد طرحت بقوة في المؤتمرات كافة لما تشكل هذه القضية من مخاطر اجتماعية وسياسية واقتصادية، واعتبرها النقابيون قنبلة موقوتة داخل المجتمع السوري قد تتفجر بأية لحظة، لذلك لا بد من إيجاد حلول سريعة مثل صناديق المساعدة التي تقدم العون المؤقت للعاطلين عن العمل، ولكن يبقى الحل النهائي لهذه المسألة في زيادة الاستثمارات الحكومية في المشاريع الصناعية أولاً وفي المشاريع الأخرى التي تستطيع أن تمتص قسما كبيرا من العاطلين عن العمل.
5 ـ الأجور: أخذت جزءاً مهماً من المداخلات التي ألقيت، وهذا طبيعي بسبب معاناة الطبقة العاملة السورية بمجملها من هذه القضية، لأن ما يتقاضاه العمال من أجور لا يتناسب مع تكاليف الحياة من تعليم، صحة، مواصلات، وسكن... وغيرها، حيث جاء غلاء الأسعار الفاحش، وارتفاع أجور السكن ليزيد الطين بلة، مما جعل قضية الأجور تطغى وتضغط باتجاه المطالبة بزيادتها من مصادر تمويل حقيقية، وليس من زيادة الأسعار على العديد من السلع والمشتقات البترولية، وزيادة الضرائب المختلفة على الطبقات الشعبية كما هي عادة الحكومة دائماً.
حق الإضراب
ركزت العديد من المداخلات وخاصة مداخلات النقابيين الشيوعيين على حق الإضراب والاعتصام للطبقة العاملة السورية من أجل زيادة أجورها والدفاع عن حقوقها، وأكدت على ضرورة تبني الحركة النقابية لهذا المطلب الذي لم يعد مقتصراً على الشيوعيين، بل طرحه نقابيون آخرون مما يعني أنه بدأ يشق طريقه بقوة داخل الحركة النقابية، وفي حال تبنيه مجدداً سينقل الحركة النقابية نقلة مهمة إلى الأمام، ويخلق توازناً لمكونات العمل الثلاثة، ويخرج النقابات من دائرة المذكرات والمراسلات كأسلوب وحيد لتحصيل الحقوق الذي لم يعد مجدياً كثيراً في ظل التحولات الجارية في البلاد، ودخول استثمارات أجنبية تستخدم المزيد من اليد العاملة التي لا بد من ضمان حقوقها والدفاع عنها.
6 ـ التلوث: كان له نصيب في المداخلات، حيث بينت المداخلات تعاظم المخاطر التي يتعرض لها العمال من جراء التلوث الحاصل في مواقع العمل، وإهمال المسؤولين لهذه المسألة والتعامل معها باستخفاف، مما جعلها تتفاقم وتتحول إلى كارثة على العمال كما هو الحال في معمل الأسمدة بحمص حيث توفي (24 عاملاً) جراء التلوث كما ذكرت إحدى المداخلات، كذلك إصابة العديد من العمال بالسرطان في معمل أحذية درعا نتيجة المواد الكيماوية المستخدمة دون أن تكون هناك إجراءات حقيقية لحماية العمال من هذه الملوثات، وعلى هذا الصعيد تتسع قائمة الإصابات بالأمراض المختلفة نتيجة تلوث العديد من مواقع العمل (مصفاة حمص، معامل الإسمنت، الدهانات، مناجم الملح، الفوسفات.. الخ) مما يستدعي موقفاً حازماً من النقابات لمواجهة التلوث الحاصل في المعامل والشركات وتعزيز دور الصحة والسلامة المهنية والفحص الدوري للعمال والذي يرفضه الكثير من مدراء الشركات باعتبار ذلك يترتب تكاليف إضافية غير مبررة من وجهة نظرهم وكأن صحة العمال وسلامتهم آخر همهم؟!
عمال القطاع الخاص.. أكثر المظلومين
7 ـ تناولت المؤتمرات جميعها قضية عمال القطاع الخاص ومعاناتهم مع أرباب العمل ووزارة الشؤون الاجتماعية المنحازة لأرباب العمل، وخاصة بقضية أجور العمال وزيادتها والتسجيل بالتأمينات الاجتماعية، وغض الطرف عن إجبار العمال على توقيع استقالات مسبقة وبراءة ذمة التي تمكن أرباب العمل من التحكم الكلي بمصير مئات الألوف من العمال.
يلاحظ في المؤتمرات الأربعة التي عقدت حتى الآن، أنه لم يكن من ضمن المداخلين أي نقابي من القطاع الخاص، اللهم سوى مداخلة وحيدة لنقابي من الحسكة، وهذا خلل ولا يعكس وزن العمال من حيث العدد الكلي للطبقة العاملة السورية هذا جانب، والجانب الآخر بهذا الخصوص أن الحركة النقابية تطرح قضية عمال القطاع الخاص وضرورة تطوير العمل معهم من أجل كسبهم إلى التنظيم النقابي في كل المؤتمرات، ولكن على الأرض لم تتطور الإجراءات والخطوات باتجاه فعل حقيقي يمكّن من جذبهم إليها. هذا يحتاج إلى خطوات عملية تقنع العمال بأهمية الانتساب سواء بحجم الخدمات التي تقدمها النقابات أو بمناصرتهم في مواجهة أرباب العمل، لأن العديد من التجارب تركت انطباعات عندهم بأن هذه النقابات لا تعبر عن مصالحهم، خاصة وأن الكثير من أعضاء اللجان النقابية في معامل القطاع الخاص يجري تعيّنهم عن طريق صاحب العمل، فيكونون أداة بيده ولا يمثلون العمال ومصالحهم.
إن عدداً من النقابيين طرح ضرورة عقد مؤتمر أو اجتماع موسع يجري فيه نقاش واسع لأوضاع عمال القطاع الخاص، ودراسة الإجراءات والخطوات التي قد تجذبهم إلى المظلة النقابية والتأمينية وحماية حقوقهم بالأشكال المختلفة، ومنها حقهم بالإضراب والاعتصام، وضرورة إقامة صناديق مساعدة لهم، وكذلك حماية القادة النقابيين من تعسف أرباب العمال، ولكن إلى الآن لم تتم الاستجابة لتلك النداءات.
العمال المؤقتون.. في مهب الريح
8 ـ طرح النقابيون موضوع تثبيت العمال المؤقتين الذي يقارب عددهم الـ(46 ألف عامل) مؤقت يعمل معظمهم بأعمال لها صفة دائمة، وعلى خطوط الإنتاج في المعامل مثل معمل إسمنت طرطوس، ومرفأ طرطوس والشركات الإنشائية، ولا يتمتع هؤلاء العمال بالكثير من الحقوق بالرغم من أن القانون (50) يساويهم بالحقوق مع العمال الدائمين. ولكن الشركات تحرمهم من تلك الحقوق بحجة نقص السيولة المالية حتى أن الأجور تتأخر لشهرين أو ثلاثة أشهر.
وهناك الكثير من المطالب التي تقدم بها النقابيون وحملوها معهم من مؤتمر لآخر دون الحصول على جواب شاف في تحقيقها مثل الطبابة واختلاف الأنظمة المطبقة على العاملين أو طبيعة العمل حيث حرمت التعليمات التنفيذية الصادرة عن رئاسة مجلس الوزراء العمال من النسب التي أقرها القانون (50) وحرمت فئات أخرى من طبيعة العمل، والوجبة الغذائية والوقائية وقيمتها المترتبة وعدم شمولها للكثير من القطاعات العمالية، وبدل اللباس أيضاً والإجازات الساعية وعطلة يوم السبت... الخ من المطالب.
وأخيراً لا بد من الإشارة إلى أن هذه المؤتمرات هي الأخيرة لهذه الدورة الانتخابية، ومن المفترض أن تكون نوعية من حيث القرارات المتخذة نسبة لنوعية النقاشات التي بتقييمها تقييماً حقيقياً يمكن تحديد مهمات المرحلة القادمة، خاصة وأن الكوادر النقابية التي حضرت المؤتمر قدمت مداخلات وطرحت قضايا عمالية ومهنية لها أهمية وطنية كبيرة.