عادل ياسين عادل ياسين

وزير الشؤون الاجتماعية والعمل: لا يوجد تسريح جماعي للعمال

قال وزير الشؤون الاجتماعية والعمل في لقاء مع جريدة (تشرين) بتاريخ 19/6/2011 : (أصدرنا في سورية نصوصاً قانونية كثيرة، ومنها ما تم بسرعة، وكانت ترتكب أخطاء بصياغة النصوص..)، وجاء تصريحه هذا في معرض رده على أسئلةٍ حول العديد من القضايا العمالية والاجتماعية التي تعمل الوزارة على معالجتها، ومنها قانون العمل الجديد رقم 17، وبهذا القول فإن الوزير قد قفز فوق أمرين اثنين كان لهما الدور الأساس بصياغة القوانين:

الأمر الأول: إن أي قانون يصدر هو تعبير عن موازين القوى التي تتصارع من أجل أن تكون مواد القانون لمصلحتها، وبالتالي فإن احتمالات الخطأ في صياغة المواد القانونية غير وارد من حيث أهداف مواد القانون ومصلحة من تحقق، حيث يجري التمحيص والتدقيق من جهات مختلفة، وبالأخص مَن لهم مصلحة مباشرة بهذا القانون، مثلما جرى لقانون العمل رقم 17 الذي أُخضِع لنقاش واسع على مدار أكثر من ثلاث سنوات، سواء في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، أو في أوساط أرباب العمل ممثلين بغرف التجارة والصناعة، أو  في الاتحاد العام لنقابات العمال، إضافة للأحزاب السياسية، وكذلك الصحف الخاصة والعامة. وكل جهة من هذه الجهات كانت تدلي بدلوها وتقدم وجهة نظرها حول ما يجب أن تكون عليه مواد القانون، حتى خرج في النهاية من أروقة مجلس الشعب مصدَّقاً عليه بحلته الحالية، حيث عبّر بشكل لا لبس فيه عن انحياز هذا القانون بشكل شبه كلي لمصلحة أرباب العمل والمستثمرين، الذين أرادوه حاضناً وحامياً لاستثماراتهم التي ما كانت لتأتي وتستثمر دون أن يكون هناك قانون عمل جديد يكونون فيه أحراراً غير مقيدين في التحكم المطلق بالعمال ومستقبلهم وحقوقهم، وهذا ما أكدت عليه وزيرة العمل السابقة ديالا الحاج عارف أن القانون الجديد «سيشجع قدوم المستثمرين ويلبي رغباتهم».
الأمر الثاني: إن القانون جاء منسجماً مع التوجهات الاقتصادية التي تبنَّتها الحكومة السابقة  وفريقها الاقتصادي، ومع العلاقات الرأسمالية السائدة التي عبر عنها تبني اقتصاد السوق، فأصبح هو الناظم للتوجهات الاقتصادية الليبرالية للحكومة وللفريق الاقتصادي، وجاءت تلك التوجهات منسجمة مع التوصيات التي تقدم بها كل من صندوق النقد والبنك الدوليين، والكل يعلم أن هاتين المنظمتين خاضعتان بالتمام والكمال للتوجهات الرأسمالية في الغرب، وعلى رأسها الإدارة الأمريكية، ويخدمان مصالحهما الاقتصادية والسياسية، وهما بمثابة قاعدة ارتكاز في اختراق اقتصاديات الدول والهيمنة عليها تحت شعار (إعادة الهيكلة)، حيث توافق هذا الشعار مع التوجهات الاقتصادية الليبرالية للحكومة وفريقها الاقتصادي التي قامت بإنجازات (عظيمة) سيقدرها لها الشعب السوري، ولن ينساها على الإطلاق، فقد عمَّقت مؤشرات البطالة في المجتمع ووسعت امتداداتها لتشمل شرائح وطبقات كانت محسوبة لفترة قريبة على أنها شرائح متوسطة، بالإضافة لتخريب الصناعة الوطنية بقطاعيها العام والخاص. وهنا لن ننسى الارتفاع الجنوني للأسعار، ورفع الدعم عن حوامل الطاقة، وغيرها الكثير من التوجهات التي عمقت الفرز داخل المجتمع، بزيادة غنى الأغنياء وتمركز رؤوس الأموال عندهم، وزيادة فقر الفقراء الذين تمركزت في صفوفهم الأمراض الاجتماعية الفتاكة من كل نوع.
لقد بلغ السيل الزبى عند فقراء الشعب السوري من تلك السياسات الكارثية التي أوجدت الأرضية الخصبة للحراك الشعبي السلمي المطالب بالإصلاح والحرية والديمقراطية اليوم، والذي عبر عن نفسه بشعارات واضحة ضد النهب والفساد والحرامية ورموزهم.
إن اعتراف وزير الشؤون الاجتماعية والعمل أن هناك ثغرات في قانون العمل حول التسريح التعسفي والمحكمة العمالية، يُعَد مقدمة ضرورية لإعادة النظر بمواد هذا القانون، وخاصة مواده التي تنص على حرية أرباب العمل في تسريح العمال دون رقيب أو حسيب، حيث نفى الوزير أن هناك تسريحاً جماعياً في صفوف العمال، مع العلم أن كل المؤشرات والدلائل تشير إلى تسريح جماعي يجري للعمال، فقد أغلقت الكثير من المنشآت الصناعية أبوابها، والبعض منها خفض وارديات العمل، وبالتالي يسرَّح العمال الفائضون عن الوارديتين، والمنشآت الأخرى تعطي إجازات مفتوحة للعمال وعلى حسابهم الخاص، أي أن هناك أشكالاً وطرقاً عديدة يقوم بها أرباب العمل للتخلص من عمالهم، متحججين بالأزمة الحالية، ويؤكد قولنا التقرير أو الخبر الذي نشرته جريدة (تشرين) مؤخراً، حيث أشارت إلى أن «عدد العمال المنفكين من مؤسسة التأمينات الاجتماعية، منذ بداية العام 2011 حتى منتصف شهر أيار الحالي في جميع المحافظات يقارب الـ41 ألف عامل، وهو يشير إلى وجود (انتكاسة)  في سوق العمل يجب العمل سريعاً على معالجتها، مع العلم أن هذا الرقم خاص بالعمال المسجلين في مؤسسة التأمينات الاجتماعية، الأمر الذي يطرح تساؤلات عن عدد العمال الذين تركوا وظائفهم في القطاع غير المنظم أو الذين هم غير مسجلين في التأمينات الاجتماعية».
وتابع التقرير: «وفيما يتعلق بالتوزيع الجغرافي فإن المعلومات الخاصة تكشف أنه كالعادة جاءت المحافظات الثلاث الأولى بعدد المنشآت في ترتيب المحافظات، إذ حلت محافظة ريف دمشق أولاً بنحو 10 آلاف عامل، فدمشق بنحو 8.8 آلاف عامل، وحلب ثالثاً بنحو 6 آلاف عامل».
إذاً، يا سيادة الوزير، إن تسريح العمال الحاصل ليس بسيطاً كما عبَّرت في اللقاء، بل هو ظاهرة تستوجب المعالجة السريعة والحاسمة، نظراً لنتائجها الخطرة المترتبة عن التسريح الجماعي، وفي هذا مسؤولية خاصة تتحملها نقابات العمال، دفاعاً عن حقوق العمال المسرحين، وأهمها حقهم بالعمل.