شركة (شل) الهولندية تخرق قانون العمل السوري
أمست المشكلة القائمة بين عمال شركة (شل) الهولندية وبين إدارة الشركة أكبر من أن تكون قضية مطلبية بحتة، فالعمال يريدون استرجاع حقوقهم التي سُلِبت منهم منذ عام 2000، ولكنهم لم يحصلوا عليها رغم صدور الحكم القضائي المكتسب الدرجة القطعية من القضاء الإداري، الذي أصبح واجبَ التنفيذ والمتابعة من الجهات ذات الاختصاص، وهي مؤسسة التأمينات الاجتماعية التي أوقفت بموجب توجيه من رئاسة مجلس الوزراء كل إجراءاتها الإدارية لتحصيل حقوق العمال.
فقد جاء في كتاب مؤسسة التأمينات الاجتماعية الموجَّه إلى وزير الشؤون الاجتماعية والعمل بتاريخ 12/6/2011: «وَرَدنا توجيه السيد رئيس مجلس الوزراء بحاشيته المسطرة على كتاب السيد وزير النفط والثروة المعدنية بوقف جميع الإجراءات الإدارية من قبل المؤسسة، لحين الانتهاء والبت بالموضوع قضائياً، وكل مخالفة تستوجب المسؤولية».
بهذا التوجيه أوقفت المؤسسة تحصيل حقوق العمال التي أكدها القضاء بحكمه القطعي، حيث يتبين من المراسلات بين وزير النفط ورئاسة الوزراء ومؤسسة التأمينات الاجتماعية أن هناك شيئاً يجري طبخه في مطبخ شركة (شل) الهولندية التي تعمل على الأراضي السورية، ومن المفترض أنها تخضع لقوانين العمل السورية التي هي جزء من السيادة الوطنية، وخرق هذه القوانين يعني الاعتداء السافر على هذه السيادة.
السؤال الذي يتبادر إلى ذهن العمال وأذهان كل الشرفاء في وطننا الحبيب سورية: لماذا بتوجيه من رئاسة الوزراء وبناء على توصية من وزير النفط يلغى قرار قضائي مكتسب درجة القطعية، ومؤيد بكل الوثائق التي تؤكد حق العمال لجهة حصولهم على تعويضاتهم؟!
إن الإجابة على هذا السؤال سيفتح الأبواب على مصراعيها للبحث عميقاً في عقود الاستثمار الممنوحة لهذه الشركات، ومدى توافقها مع المصلحة الوطنية في استثمار النفط، الذي كان وطنياً، حيث كان ذلك توجهاً ومطلباً شعبياً تم على أساسه إنشاء الشركة السورية للنفط التي ضمت آلاف الكوادر الوطنية في مجال استثمار النفط، من المنبع إلى المصب، وقد جرى التفريط بهم ودفعهم إلى الهجرة للعمل في دول الخليج وغيرها من البلدان، كخبراء يُعتَرَف بمقدرتهم التي توازي أو تزيد عن كفاءة الخبرات الأجنبية التي استخدمت بعقود عمل مكلِفة ولسنوات طويلة.
لقد خرقت (شل) قوانين العمل السورية وعطلت تنفيذها، وبهذا حرمت خزينة الدولة والعمال من أموال طائلة تقدَّر الآن بأكثر من عشرة ملايين من الليرات السورية، وما كان لها أن تقوم بذلك لولا الوقوف خلفها والتستر عليها من جهات إدارية عليا لها مصلحة في التغطية على هذا السلوك المشين بحق خزينة الدولة، وبحق العمال الذين نصحهم بعض الأجانب بأن يرفعوا دعاوى قضائية في إحدى البلدان الأخرى لتحصيل حقوقهم طالما لم يستطيعوا تحصيلها في بلدهم، بالرغم من صدور حكم قضائي مبرم يُلزِم الجهات الوصائية بتنفيذه، وذلك بالحجز على أموال الشركة التي استثمرت في نفطنا وحققت أرباحاً بمليارات الدولارات، وتحرم العمال من حقهم ببضعة آلاف من الليرات السورية، عبر ممارسة المراوغة والتزوير للحقائق، والتواطؤ والتهديد الذي جرى من خلال توجيه رئاسة مجلس الوزراء وغيره بإيقاف الإجراءات الإدارية بحق الشركة، حيث التزمت مؤسسة التأمينات بهذا التوجيه.
إن رئاسة مجلس الوزراء بتوجيهها هذا قد تجاوزت القرار القضائي للمحكمة الإدارية الذي أنصف العمال وأقر بحقوقهم، مع أن محكمة صلح العمال في دمشق قد رفضت اعتبار هؤلاء العمال عمالاً، بل أخذت ترغم العمال المتقدمين بالدعوى للإدلاء بأقوال تتوافق مع رأي القاضي الذي اعتبر العمال (خدم منازل)، وبالتالي فلا أحقية لهم بما يدَّعون من حقوق، وهذا يجعلنا نتساءل عن نزاهة بعض القضاة وخضوعهم لاعتبارات غير موضوعية أو قانونية في إصدار أحكامهم، مما دفع المحامي العام الأول بدمشق إلى إحالة شكوى العمال إلى إدارة التفتيش القضائي، للوقوف على أسباب رد الدعوى بتاريخ 13/11/2005.
إن إصرار العمال ونقابة عمال النفط على المضي في متابعة المطالبة بالحقوق المسلوبة سيوصلهم حتماً إلى الهدف المنشود، بالرغم من مواقف الأطراف الأخرى التي سهلت للشركة الهولندية تهرُّبها من استحقاقات العمال، وإن قضية العمال هؤلاء هي ليست قضية عادية تمس حقوقاً محددة، بل هي قضية وطنية تكشف المصالح المتبادلة بين بعض الجهات وهذه الشركة، أي لها علاقة بالفساد العام الكبير الذي تمارسه الشركات الأجنبية عن طريق دفع الرشاوى، في حصولها على العقود الاستثمارية بشروطها المجحفة بحق الاقتصاد الوطني والشعب السوري، ومن هنا فإننا ندعو كل الشرفاء والوطنيين في النقابات والأحزاب للتضامن مع العمال السوريين، ولإعادة فتح ملفات عقود الاستثمار وشروط عملها في الأراضي السورية، وضرورة خضوعها للقوانين السورية فيما يتعلق بتشغيل اليد العاملة، من حيث حقوقهم ومستحقاتهم.
إن الجهات الوصائية صاحبة العلاقة، والمنوط بها تنفيذ الحكم القضائي، مازالت تماطل في تنفيذ الحجز على أموال الشركة، رغم صدور الحكم منذ عام 2000 بالقرار رقم 973/م، فإلى متى سيبقى عمال شركة (شل) مطعونين في كراماتهم وحقوقهم؟