مصالح العمال وأزمة العمل اللائق!!

منذ عدة سنوات ومنظمة العمل الدولية تكرس اهتمامها لكي يعم العمل اللائق أركان الدنيا الأربعة، واتخذ يوم السابع من تشرين الأول عام 2008 يوماً عالمياً للعمل اللائق الذي  تهدف فكرته إلى تقليص عدد فقراء العالم الذين وصل عددهم إلى نحو 1.6 مليون شخص عام 2005، وهم في تزايد مستمر مع استمرار تصاعد أزمة الرأسمالية ووصولها إلى الاقتصاد الحقيقي، مما زاد من عدد العاطلين عن العمل والعمال المسرحين الذين بلغ عددهم في الولايات المتحدة في الشهر الأول من الأزمة 250 ألف عامل.

والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن في ظل كل ما يحدث: ما الذي تبقى من مفهوم العمل اللائق؟ خاصةً إذا اطلعنا على التعريفات التي قدمتها منظمة العمل الدولية لهذا المفهوم، والتي تتلخص بما يلي:

يقصد بالعمل اللائق العمل المنتج الذي تكون فيه جميع حقوق العمال محمية، ويدر دخلاً كافياً يؤمن حفظ كرامة العامل وكرامة عائلته.

يمكن أن يعرف بأنه العمل المناسب بالأجر المناسب في البيئة المناسبة.

يكفل الحفاظ على حقوق العمال الاقتصادية والاجتماعية.

يعتبر العمل اللائق السبيل إلى اجتثاث الفقر، من خلال توفير تكافؤ الفرص، والمساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة.

لقد وقعت الكثير من الدول ومعها أرباب العمل على اتفاقيات العمل اللائق بحيث أصبحت اتفاقيات ملزمة للدول التي وقعت عليها، ولكن ممارسات أرباب العمل والحكومات في الدول الموقعة على الاتفاقيات تجعل ثقتنا معدومة بفعاليتها، خاصةً إذا علمنا أن البنود الأساسية فيها تقضي بحرية التنظيم النقابي، وحق العمال بالإضراب، والحوار الاجتماعي والمفاوضة الجماعية بدل الصراع والتناحر الطبقي، وهذا المفهوم الأخير قد تبنته النقابات التي رأت في الحوار الاجتماعي والتفاوض مخرجاً لها من مأزقها مع الحكومات وموقفها من حقوق الطبقة العاملة، وتعديها السافر على هذه الحقوق، خاصةً وأن معظم الاتحادات النقابية الممثلة للعمال في منظمة العمل الدولية على علاقة وثيقة بالحكومات، وتلعب دوراً مهدئاً لجموح الطبقة العاملة في دفاعها عن حقوقها ومكاسبها.

إن معظم الاتفاقيات ورغم نصوصها الجميلة تأتي في  ظل اختلال واضح لموازين القوى، بين العمل ورأس المال، وتلعب البيروقراطية النقابية  التي تلتقي مصالحها مع مصالح رأس المال دوراً مهماً في تثبيط همة الطبقة العاملة، وإعدادها للقبول بشروط رأس المال العالمي وممثليه في الشركات الكبرى العابرة للقارات التي نقلت خبرتها في استغلال وقمع وتدجين الحركات النقابية وعممتها في البلدان التي نقلت إليها صناعاتها التي تحتاج إلى يد عاملة رخيصة ذات مطالب أقل، كما هو الحال في جنوب شرق آسيا وفي بعض بلدان الشرق الأوسط، لتتخلص بذلك من ارتفاع أجور العمال في بلدانها، ولتتخلص من ضغطهم الساعي  للحفاظ على حقوقهم ومكاسبهم وزيادة أجورهم التي أصبحت الآن في مهب الريح بفعل الزلزال الذي أصاب النظام الرأسمالي العالمي برمته، والذي كانت الطبقة العاملة هي الطبقة الأكثر تضرراً منه في المجتمع برمته، مما يعني أن أمام الطبقة العاملة وحركتها النقابية المناضلة استحقاقاً كبيراً عليها أن تواجهه للحفاظ على حقوقها ومكتسباتها، وخاصةً حقها بالعمل.

إن العمل اللائق الذي سعت إليه منظمة العمل الدولية أصبح عملاً غير لائق بالنسبة للملايين من العمال، وهذا الموضوع أصبح يمسنا كما يمس غيرنا من الدول، فقد وصل (البل إلى ذقوننا) كما يقال، والأزمة وصلت إلى اقتصادنا الحقيقي (الزراعي، والصناعي) قبل الإعلان عنها في مراكزها الأساسية، بفضل السياسات الاقتصادية الليبرالية التي يمارسها فريقنا الاقتصادي، حيث أن الآلاف من المنشآت الصناعية الصغيرة أقفلت أبوابها وسرحت عمالها، والآلاف من الأسر الفلاحية هجرت أراضيها الزراعية بسبب سياسة رفع الدعم التي اتبعتها الحكومة وأدت إلى خسائر فادحة في الاقتصاد الوطني، وخاصةً في مادة القمح الإستراتيجية التي باتت بلادنا تستوردها  بعد أن كانت مصدرة لها.

إن العمل اللائق والمطلوب عمالياً ووطنياً هو التصدي الحازم لتلك السياسات المستمرة التي تصر الحكومة على المضي بها قدماً رغم كل ما يجري في العالم، وهذا التصدي يقع على عاتق كل القوى الوطنية بما فيها الحركة النقابية لما تملكه من خيارات واسعة سيكون لها في حال استخدامها التأثير المباشر على مستقبل اقتصادنا الوطني ومصالح الطبقة العاملة.