حول تعميم تثبيت العمال..مرةً أخرى
ينتقل العمال من خيبة أمل إلى أخرى بسبب سياسات الحكومة تجاه حقوقهم ومكاسبهم التي تتعرض كل يوم للهجوم، بخلاف ما يردد على مسامعهم من أن الحكومة تسعى وتعمل لتحسين أوضاعهم المعيشية التي وصلت إلى مستويات متدنية تجعل إمكانية الاستمرار في هذا الوضع غير ممكنة، وتحتاج معالجتها إلى ما هو أكثر من مذكرة تُوجَّه إلى الحكومة بمطالب العمال وحقوقهم قد تستجيب لها الحكومة وقد لا تستجيب،
رغم مناشدات النقابات، والتصريحات التي يدلي بها كبار المسؤولين عن أن مواقفهم تتماشى مع مطالب الطبقة العاملة وحقوقها، ولكن ما هو واقع فعلاً عكس ما يقال وما يصدر من تعاميم وقرارات، وآخرها تعميم تثبيت العمال المؤقتين ذو الرقم 5659/15 بتاريخ 17/9/2008 الذي أصدره رئيس مجلس الوزراء، والذي كان بمثابة خطوة التفافية قامت بها الحكومة لكي لا تثبت العمال تثبيتاً يحفظ حقوقهم كاملة في الأجر والمكاسب، وهذا واضح في التعميم الذي اشترط للتثبيت شروطاً تعيق التثبيت!! وهذا الموقف الحكومي من العمال هو استكمال لما تقوم به وزارة الصناعة من إحصائيات ودراسات لـ«العمالة الفائضة» في الشركات والمعامل، تمهيداً لخطوة أخرى ليست واضحة حتى الآن.
إن الحكومة تلجأ للمواربة لتخفيف حدة الانتقاد لسياستها التي يتلخص جوهرها بتغيير العلاقات القائمة بين شرائح المجتمع، وتغير الركائز التي يقوم عليها نمط العلاقات الاجتماعية والاقتصادية وتوازنات القوى، كما جاء في بعض تصريحات النائب الاقتصادي عبد الله الدردري لإحدى الصحف المحلية عن أن التحول إلى اقتصاد السوق يسير بشكل جيد لجهة التشريعات التي تخدم هذا التوجه، حيث قال: «أصدرنا عشرات القوانين والمراسيم خلال السنوات الأربع الماضية ولن نسمح لأحد أن يعرقل مشروعاً استثمارياً في سورية مهما كبر أو صغر» وهو بهذا يريد أن يضع المطالبين بالعدالة والإصلاح وإنقاذ القطاع العام محل الشبهة، وهذا تعد خارج على الحقيقة يؤشر بوضوح إلى صورة المستقبل الذي يُخطط له، والذي يطلق عليه النائب اسم «النظام التنافسي» مفاخراً به ومعولاً عليه رغم ما يشهده هذا النظام من أزمات حادة ومدمرة في كل دول العالم، بسبب اعتماده على الاحتكار والتلاعب والسرقة والتهريب الضريبي والمنافسة غير الشريفة والفوضى والفساد والرشوة وغيرها من الانحرافات التي لا يتفق معها أي مفهوم للإصلاح بل يتعارض معها جملة وتفصيلاً، فنحن لسنا ضد الاستثمار من حيث المبدأ مادام في خدمة التوجهات الوطنية، لكن ما نراه يسير عكس هذا التوجه، ولهذا فإن الاعتقاد بحل مشكلة العمال المؤقتين إنما هو ضرب من التوهم مادامت حكومتنا ترى العاملين في القطاع العام حجر عثرة أمام تدابيرها الليبرالية التي تستلهم الإصلاح من مشورة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، فتدفعها هذه النظرة إلى تقليص عددهم وإبقاء الآلاف منهم بوضع عمال مؤقتين ليسهل التخلص منهم عند اللزوم. وإلا لكان التعميم الصادر لتثبيتهم خالياً من أية شروط، ولكان قد رتب على قائله التزامات واضحة، وهذا ما لم يحصل بل تُرك الموضوع معلقاً بقرارات آمر الصرف وبوجود الشاغر والاعتماد، وكلها أسباب تضع صاحب التعميم خارج مسؤولية القول والالتزام وبالتالي التنفيذ.
لو كان رئيس مجلس الوزراء جاداً، لجاء تعميمه كالمرسوم /8/ عام 2001 الذي تقدم به ممثلو العمال في مجلس الشعب، وأصدره الرئيس بشار الأسد، والذي قضى بتثبيت العامل المؤقت بشرط أن يكون هذا العامل يقوم فعلاً بعمل ذي طبيعة دائمة، وأن يكون قد مضى على استخدمه بتاريخ نفاذ التعميم سنتين على الأقل من العمل الدائم، وتتوفر فيه شروط التعيين المنصوص عليها في المادة /7/ من قانون العاملين لعام 1985.
ولإثبات عدم جدية التعميم يمكننا أن نعدد بعض المواقع العمالية التي لم تشمل العمال فيها قرارات التثبيت: عمال الزراعة؛ عمال التبغ باللاذقية؛ عمال وزارة الصناعة؛ عمال الغزل (جبلة ـ اللاذقية)؛ عمال الزراعة اللاذقية في الإرشاديات (حمضيات ـ زيتون)؛ عمال حرس الحراج في اللاذقية وطرطوس وحماة وحمص وإدلب؛ عمال المشاتل؛ الكثير من عمال الشركات الإنشائية وعمال السكك الحديدية والأسمنت.
وفي الختام فإن ما هو مطلوب نقابياً من أجل تثبيت العمال المؤقتين هو الحفاظ على حقوقهم ومكاسبهم دون شروط مسبقة تفقدهم تلك الحقوق والمكاسب التي منحتهم إياها طبيعة عملهم الدائم.