اتحاد العمال في مذكرة مفصلة حول الدعم «لا نرى أي مبرر لتعديل أسعار حوامل الطاقة، وتقليص عجز الموازنة يكون بمكافحة التهرب الضريبي»

 قدم الاتحاد العام لنقابات العمال مذكرة توضيحية بتاريخ 7/7/2007 حول واقع الدعم، وتأثيرات تخفيضه، ورفعه، على المستوى المعيشي للسكان وخاصة الفقراء منهم، وأيضاً تأثير ذلك على التكاليف الصناعية والزراعية، وأثر ذلك عليها من حيث القدرة على الاستمرار، المنافسة، وزيادة معدلات البطالة المتوقعة من مثل هذا الإجراء الذي تبرره الحكومة، بما يسببه الدعم من عجز في موازنتها، والذي تقدره بحدود ملياري دولار وهو مرشح للارتفاع في الأعوام القادمة.

 والمذكرة التوضيحية الصادرة عن الاتحاد العام تحمل أهمية خاصة الآن في ظل تصاعد المواقف لإلغاء الدعم عن المشتقات النفطية، مبينة مخاطر هذا الإجراء اقتصادياً واجتماعياً، خاصة وأن الاتحاد العام يمثل مصالح الطبقة العاملة السورية، ومسؤول مباشرة بالدفاع عن مصالحها، ومنها المستوى المعيشي للطبقة العاملة، الذي يتدهور يوماً بعد يوم في ظل سياسات اقتصادية يسير بها الفريق الاقتصادي راهناً الاقتصاد السوري، وبالتالي مصالح الشعب السوري لتوجهات قوى السوق الكبرى ومصالحها، والذي يؤكده نسبة توزيع الدخل الوطني لصالح تلك القوى (75% أرباح، 25% أجور).
لقد حددت المذكرة حلاً لعجز الموازنة، وذلك بمكافحة التهرب الضريبي، ونحن نقول إن هذا الحل غير كاف على أهميته، خاصة أن الحكومة قد قدمت إعفاءات كثيرة تحت مقولة (عفا الله عما مضى)، فكيف سيكون الحل عن هذا الطريق فقط؟؟
كان من المفروض الإشارة إلى علّة العلل ألا وهو النهب الذي يقدر بـ(200مليار ل.س سنوياً، حيث يمكن من خلال مكافحته والعمل على ضرب مواقعه الأساسية، تأمين الموارد المالية الضرورية لرفع مستوى المعيشة، وتأمين الاستثمارات الضرورية للنهوض بالقطاع العام، وبالتالي حل مشكلة البطالة عبر برنامج زمني متدرج.
إن هذا الإجراء يحتاج إلى موازين قوى تفرضه، وتقاوم النهج المعادي لعلمه.
 
مبررات الحكومة في رفع الدعم:

جاء في المذكرة: تسعى الحكومة منذ عدة أشهر إلى محاولة تبني إجراءات لتخفيض الدعم عن المحروقات والكهرباء (حوامل الطاقة)، وذلك بهدف تخفيض العجز الناجم عن الفرق بين أسعار البيع في السوق المحلية، وتكلفة الإنتاج المحلي أو المستورد، وبخاصة للمازوت، وتقدر الحكومة هذا العجز بحدود ملياري دولار في عام 2006 وهو مرشح للارتفاع في الأعوام التالية، على أي حال تتوقع مؤسسة توزيع المحروقات أن يبلغ حجم الاستهلاك المحلي من المازوت بحدود (9344) ألف لتر مكعب منها 74% للجهاز الإنتاجي في الاقتصاد (زراعة ـ صناعة) و26% للاستهلاك البشري وقريباً من 3% للتهريب. وتبلغ متوسط تكلفة الليتر الواحد المستورد أو المستلم من المصافي المحلية بحدود 26 ليرة سورية وسعر البيع 7.5 ل.س.
وأضافت المذكرة: تتأثر الموازنة العامة للدولة نتيجة الدعم لحوامل الطاقة، ولاسيما المازوت بدرجة كبيرة منذ عام 2004 نتيجة ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية من (23) دولار إلى (65) دولار في عام 2005 و2006 و(60) دولار في عام 2007 حسب ما هو متوقع، وحسب بيانات الموازنة العامة للدولة فإن نسبة العجز إلى الناتج المحلي الإجمالي بحدود (5%)، وباستثناء العوائد النفطية فإن العجز يبلغ قريباً من 17%، ويقدر صندوق النقد الدولي في تقريره السنوي عن سورية أن نسبة الدعم المقدم من  خزينة الدولة (لحوامل الطاقة وبعض السلع الغذائية)، تبلغ بحدود 15% من الناتج الإجمالي في عام 2005.

 
رفع الدعم: الأجور منخفضة.. ارتفاع في الأسعار

بينت المذكرة وحسب بيانات المكتب المركزي للإحصاء أن (متوسط الرواتب والأجور في سورية عام 2006 يبلغ (8601 ل.س)، (9668ل.س) في القطاع العام و(7532ل.س) في القطاع الخاص، وكذلك فإن دليل الفقر البشري قد سجل معدل 11.9% في العام ذاته أي ما يعني أن 21% من السكان تقريباً هم دون خط الفقر الأدنى فيما تبلغ نسبة من هم دون خط الفقر الأعلى بحدود (35%) من السكان، وأيضاً يبلغ معدل البطالة في سورية بحسب مسح قوة العمل لعام 2006 بحدود (8.1%)، ويبلغ عدد المتعطلين قريباً من 430 ألف نسمة، وعلى الرغم من التحسن المهم الذي حدث بالنسبة للرواتب والأجور بين عامي (2000 و2006)، والذي بلغ في المتوسط 84% (1.5% في القطاع العام) إلا أن ارتفاعات الأسعار الكبيرة التي حدثت منذ حزيران 2006 ولغاية آذار 2007 قد أدت إلى تآكل خطير في الدخول الحقيقية لمتلقي الرواتب والأجور في الاقتصاد، وتقدر العديد من الجهات، ومنها الاتحاد العام لنقابات العمال أن معدل ارتفاع الأسعار خلال هذه الفترة قد فاق نسبة 25% وبخاصة على السلع الاستهلاكية الأساسية وهو ما أدى إلى انخفاض مستوى المعيشة وارتفاع العجز في إمكانية غالبية الشعب في سورية عن تحويل حاجاتهم الأساسية ناهيك عن تمويل فواتير الكهرباء والماء والمحروقات.

 
تحذير..

أثر رفع الدعم على الناتج المحلي
حذرت المذكرة من الآثار التي سيسببها رفع الدعم في الناتج المحلي حيث قالت:
من المحتمل أن يتأثر الأداء الاقتصادي نتيجة رفع الدعم عن حوامل الطاقة في سورية ويكون هذا التأثير سلبياً في المدى القصير والمدى الطويل، ومن المتوقع بحسب الحسابات الأولية والتحليل المتتابع أن يتردى معدل النمو الاقتصادي خلال السنوات التي تلي رفع الدعم عن الحوامل الطاقوية الرئيسية ولاسيما المازوت والكهرباء، يأتي هذا الانخفاض نتيجة تراجع الأداء في كل من قطاعات الإنتاج وبخاصة القطاع الزراعي الذي سيتلقى صدمة عنيفة، وكذلك قطاع الصناعات التحويلية.

 
استنتاج مهم!!

يوضح هيكل الرقم القياسي للأسعار أن هناك ارتباطاً قوياً بين الرقم القياسي للأسعار وبين الرقم القياسي لأسعار الطاقة، ولاسيما أسعار المازوت والكهرباء كما أن مرونة الرقم القياسي العام للأسعار (المعبر عن حركة مستوى المعيشة) بالنسبة للرقم القياسي لأسعار حوامل الطاقة مرتفعة وهو ما يقود إلى الاستنتاج أن كل زيادة في أسعار هذه الحوامل سوف يؤدي إلى انخفاض مستوى المعيشة للسكان ولاسيما لمتلقي الرواتب والأجور (العمال).
وأكدت المذكرة (أن أية زيادة في الرواتب، والأجور لن تكون كافية لمعالجة الأزمة التي ستنجم عن رفع الدعم عن المازوت والكهرباء لأن هذه الزيادة في الأجور سوف تشكل إضافة إلى عوامل التضخم وسوف تتآكل (إضافة على جزء مهم من الدخول قبل التعديل بفعل الارتفاعات المتوقعة في الأسعار).
 

وأخيراً ما العمل

إن الاتحاد العام لنقابات العمال لا يرى أي مبرر موضوعي لتعديل أسعار حوامل الطاقة، وأن هدف تقليص عجز الموازنة العامة للدولة ليس مبرراً حقيقياً لرفع الدعم بينما يعتقد الاتحاد أن الأسلوب الأمثل لتقليص العجز في الموازنة إنما يكون لمكافحة التهرب الضريبي الذي يبلغ (200 مليار ل.س) كحد أدنى وتفعيل أدوات السياسة الضريبية وترشيد الإنفاق العام.
وفيما إذا كانت الدولة عازمة على تقليص الدعم فإنه لا بد من استخدام سياسة طويلة الأمد  أو مترافقة بضوابط وإجراءات نقدية ومالية (ضريبية دقيقة وأن لا تتجاوز الزيادة السنوية في أسعار حوامل الطاقة (20% سنوياً).
ومن المفيد الإشارة إلى ضرورة أن تترافق سياسة تقليص الدعم مع سياسات لتشجيع المنتجين في القطاع الصناعي والزراعي للانتقال تدريجياً إلى استخدام الطاقات البديلة ولأقل تكلفة فالانتقال من استخدام المازوت إلى استخدام الطاقة الكهربائية التي يجب أن تسعر بشكل يخدم العملية الإنتاجية وأهداف النمو الصناعي.
الإصلاح الحقيقي، الذي يعبر عن المصالح الوطنية العليا للشعب السوري، وللاقتصاد السورية، وبما يؤمّن المستلزمات الضرورية للصمود والمواجهة مع العدو الخارجي وركائزه الداخلية التي هي بوابات عبور لمشروعه التفتيتي، إن الحركة النقابية والطبقة العاملة، وكل القوى الوطنية قادرة على تعديل موازين القوى الضرورية لحماية البلاد والعباد إذا توفرت الإرادة والعمل.