رفع الدَّعم... وموقف العمَّال الرافض له
اللقاءات مع العمال والنقابيين، لها معنى خاص، فهي تعكس إلى حد بعيد معاناة شعبنا في حياته اليومية، التي بات يشعر فيها بأن كرامته منقوصة، رغم الوعود الكثيرة التي كانت تقدمها له الحكومة، ومازالت تعده بها. حيث يسمع العامل فيها جعجعة ولا يرى طحيناً، فالزيادة التي وُعِدنا بأنها ستكون مجزية، لم تعد مجزية، حيث جرى امتصاصها قبل أن تصل إلى أصحابها، ولأنها لم تغط العجز السابق في الأجور، بسبب موجة الأسعار الجنونية التي رعاها الفريق الاقتصادي، وقدم لها كل التبريرات، فكيف العمل مع زيادة أسعار المازوت، التي بدأت مفاعيله منذ اليوم الأول، حيث ارتفعت أجور النقل، لتتضاعف وتشكل عبئاً إضافياً، وتجعل المواطن والعامل يتساءلان ماذا بعد؟!
الأفران مزدحمة، وطوابير المواطنين المنتظرة ربطة خبز لأطفالها منذ بزوغ الفجر، وارتفاع أسعار الخضار والفواكه بسبب احتكار تجار سوق الهال وتحكمهم بأسعارها، وارتفاع سعر اسطوانة الغاز، والحبل على الجرار!!
وانطلاقاً من دورنا في الدفاع عن قضايا شعبنا الوطنية والطبقية أجرينا اللقاءات مع العمال والنقابيين، لاستبيان رأيهم في آثار رفع الدعم المستمر، على مستوى حياتهم المعيشية!
ـ العامل رائد من عمال القطاع الخاص قال: في كل مرة تحصل زيادة على أجور العاملين في الدولة، نحن لا يصيبنا منها شيء، حيث يمتنع أرباب العمل عن زيادة أجورنا، والمطلوب إلزام أرباب العمل بزيادة أجورنا، من خلال إصدار قرارات بذلك، لأن ارتفاع الأسعار، والغلاء لم يُبقِ لنا شيئاً من أجورنا الضعيفة أصلاً، فكيف إذا لم نحصل على زيادة أجور الآن؟.
وعند سؤالنا: ماذا تطلب من النقابات الآن؟ أجاب: ضرورة الدفاع عن مطالبنا وإلزام أرباب العمل بزيادة أجورنا، ومشاركة العمال بكل ما يخص شؤونهم، وتحصيل حقوقنا بتعويض التدفئة والتعويض العائلي وبدل المواصلات، وساعات العمل الإضافي.
الثقة بين المواطن والحكومة مفقودة:
ـ النقابي أبو أيهم قال: الزيادة جاءت بعد انتظار العاملين الطويل، و هي نتيجة للهبّة القوية في الأسعار، ولم تمر على المواطن مثل هذه الحال، مجرد أن قالت الحكومة برفع الدعم، منذ أشهر، بدأ مستغلو الفرص برفع الأسعار. إن الزيادة التي حصلت الآن دون طموح الناس، حيث وعدت الحكومة بزيادة مجزية، وأتت للعاملين في القطاع العام دون غيرهم، فهل هم فقط المتأثرون بالغلاء، ماذا تقول الآن عن عمال القطاع الخاص، والعمالة غير المنظمة؟ حيث يبلغ عددهم ثلاثة أضعاف العاملين في الدولة، وهم يتأثرون بالغلاء مثل غيرهم، بشكل كبير. لقد فُقدت الثقة بين الحكومة والمواطن، بسبب أدائها ووعودها الخلبية. لاحظنا كيف حصل صدام في سوق الهال بين اللجنة المنظمة للسوق والتجار. ومستوى الأسعار في دمشق هو مؤشر لمستوى الأسعار في بقية المحافظات. نحن مقبلون على أزمة اجتماعية.
ـ النقابي أبو رائد قال: لكي تحقق الزيادة المرجو منها، لابد من تشديد الرقابة التموينية على الأسعار، وفي حال لم تضبط وبقي الفلتان بالسوق، فإن الزيادة لا تحقق المرجو منها. الفلاحون تأخروا بزراعة الشتول لحين صدور أسعار المازوت الجديدة، وستكون النتيجة تآكل الزيادة. بعض أصحاب الأفران يهرِّبون الطحين والمازوت، حيث يباع كيلو الطحين من بعض الأفران بـ20ل.س للكيلو. وبالنسبة لعمال القطاع الخاص، لا بد أن تكون هناك قوانين صارمة لكي يحصلوا على الزيادة المقررة. ومع زيادة أسعار المازوت، سنواجه مشكلة لابد من مواجهتها، وهي احتمال تسريح عمال في القطاع الخاص، بسبب زيادة التكاليف.
وعند سؤالنا عن دور النقابات بالنسبة لعمال القطاع الخاص أفاد: إن النقابات تقف موقف العاجز، وأحياناً تحصل على زيادات لأجور العمال من خلال العلاقة الودية بين النقابة وبعض أرباب العمل الوطنيين والشرفاء، ونحن نعاني من أرباب العمل المدعومين من بعض المسؤولين، ويوجد أعضاء في غرفة الصناعة لا يُنسّبون عمالهم للتأمينات.
ـ أحمد الريش، عامل متقاعد، قال: الراتب التقاعدي 8 آلاف ل.س، ونسكن في مناطق باردة من ريف دمشق مثل الدير عطية وعسال الورد والنبك، أعطتنا الدولة 1000 ليتر من المازوت المدعوم، وهذا لا يكفي حاجتنا شتاءً بسبب البرودة، مما سيضطرنا لشراء حاجتنا المتبقية من المازوت بسعر 25ل.س مما يعني أعباء إضافية لا طاقة لنا بها. وبهذا فإن الزيادة التي حصلنا عليها لا تكفي لتغطية فرق المازوت فقط.
نحمل المسؤولية للأجهزة المختصة بمكافحة تهريب المازوت:
ـ النقابي حسام منصور: هناك حالات لم تؤخذ بعين الاعتبار في توزيع المازوت، حيث نحمّل المسؤولية للمهربين، ونحمّلها بالدرجة الأساسية للأجهزة المختصة بمكافحة التهريب. أنا ابن منطقة عسال الورد، وهي منطقة تهريب، حيث لا نرى دوراً للجمارك، يكون الاستقواء فقط على المواطن العادي، حيث يجري تفتيش السيارات الصغيرة. عمل الجمارك ليس داخل المدن والقرى، عملها على الحدود وعلى طرق التهريب. وأضاف: إن هناك حالات كثيرة لم تلحظها الحكومة في توزيع البونات، مثل المطلقات، والمتزوج من أكثر من واحدة، والفلاحين حيث لابد من دعمهم. وعند سؤالنا له عن انعكاس ارتفاع الأسعار والزيادة الحاصلة على وضع العمال، قال: لقد وقعنا بعجز، وأنا أطالب الحكومة بأن تعود إلى نظام المقايضة، لا نريد أجوراً من الحكومة، مقابل صرفها علينا بالغذاء والملبس وغيره. نحن مع الحكومة بتوجيه الدعم، وليس بإلغاء الدعم. الحكومة زادت أسعار المازوت، لأن سعر الليتر في الدول المجاورة 50 ل.س، لذا سيستمر التهريب، هل سترفع الحكومة الأسعار مرة أخرى؟! إن الحل هو ضبط الحدود من التهريب، وأن تكون هناك عقوبات رادعة.
الحكومة تصنع الفوضى الخلاقة، ولا ندري إلى أين نحن ذاهبون:
ـ النقابية ب.ن: ماذا أقول لك عن الأسعار، أُكِلت الزيادة قبل صدورها، وستزيد الأسعار بعد صدورها. احتكار التجار ليس له ضابط، وكل غلاء نعزوه للغلاء العالمي، وهذا ليس صحيحاً، أين خطة الحكومة المستقبلية التي لا تستطيع رؤية المتغيرات؟ أين الأمن الغذائي الذي يتحدثون عنه؟ أصبحنا لا نعرف هويتنا، هل نحن بلد زراعي أم صناعي؟! هل نحن بلد خدمات؟! كان المخزون الاستراتيجي يكفي لخمس سنوات، الآن لسنة واحدة فقط، ماذا تعمل الحكومة؟! خلال عامين أوصلتنا إلى ما نحن عليه الآن. ما يحصل ليس طبيعياً؟ خلقوا الفوضى بين الناس، أعطونا البونات للشتاء، ولكن نحن ندفع الفرق الآن. الحكومة هي التي تصنع الفوضى الخلاقة، ولا ندري إلى أين نحن ذاهبون. وأخيراً، ماذا نقول للعمال؟! نقول لهم: مبروك الزيادة، إن شاء الله تصرفوها بالهناء، إن شاء الله يكون هناك ضمير عند التجار. نسبة الـ25 % لم تغط الارتفاعات السابقة.
ـ أبو عبده، من التنمية الزراعية، قال: الزيادة الأخيرة جاءت متأخرة، نظراً لارتفاع الأسعار والغلاء الفاحش، وعدم وجود رقابة تموينية. كان لا بد أن تشمل الزيادة المواطنين كافة، من خلال دعم المواد الغذائية، وخاصة الشرائح الأفقر من الشعب السوري. نسبة الـ 25 % لم تغط الارتفاعات السابقة، والارتفاعات الحالية ستكون عبئاً كبيراً على الطبقات الفقيرة، وعلى أصحاب الدخل المحدود، وستخلق إشكالية جديدة للمواطنين، وخاصة بارتفاع أسعار النقل، وارتفاع أسعار مواد البناء التي تجاوزت 200 %. الزيادة استفاد منها بشكل جيد أصحاب الرواتب العالية فقط، أما أصحاب الرواتب الضعيفة فكانت الزيادة طفيفة. نتمنى أن تكون الزيادة مُلزِمة لأرباب العمل، وهذا دور النقابات، في أن تضغط لإلزام أرباب العمل بدفع الزيادة للعمال.
الزيادة نكبة لكل ذوي الدخل المحدود:
ـ العاملة منال قالت: في السابق كانت الزيادة في الأجر تعتبر فرحة لذوي الدخل المحدود، أما هذه الزيادة فهي نكبة لهم. نحن العاملين في القطاع العام، نعتبر الزيادة نكبة، فكيف حال العمال في القطاع الخاص، والعامل المياوم، وصاحب البسطة؟! إن كرامة المواطن تتحقق إذا توفر له رغيف الخبز، وحتى رغيف الخبز أصبح حلماً، حيث ينام المواطن أمام الأفران.
الزيادة لم تنعكس علينا بشكل إيجابي:
ـ عاملة نسيج قالت: إن الزيادة لم تنعكس علينا بشكل إيجابي، بسبب زيادة الأسعار التي بلغت أكثر من 100 %، كل شيء زاد، ولم تغط شيئاً من حاجاتنا الأساسية، التي كانت مرتفعة سابقاً، وعادت للارتفاع مرة أخرى، أي أن الزيادة لم تحقق لنا شيئاً.وعن دور النقابات الآن، يجب أن يكون فعالاً، وأن تناقش هذه الأوضاع، وضرورة أن يكون هناك تعاون بين النقابات والحكومة لضبط الأسعار، أما إذا بقيت الأمور على ما هي عليه، فإن الوضع يحتاج إلى دفاعٍ قوي من النقابات. القطاع الخاص لم يستفد من الزيادة، ودائماً هناك صراع من أجل زيادة أجور عمال القطاع الخاص.