بصراحة هل هي مقدمات لتسريح العمال؟!
عندما تريد الحكومة أن تقدم على أمر جلل يصيب مصالح الطبقات الشعبية وحقوقها، أو إجراء ما بحق شركات القطاع العام، تقوم بالتمهيد لذلك بقصف مدفعي متقطع أحياناً، وكثيف أحياناً أخرى، لكي تختبر ردود الفعل المختلفة التي لها علاقة بهذا الإجراء، أو هذا التوجه، كما فعلت بموضوع رفع الدعم عن المشتقات النفطية، وكذلك فعلت بتقييم واقع القطاع العام وشركاته الإنتاجية تحت دعوى تحديثه وتطويره، وذلك بأن جزأته إلى ثلاثة مستويات: خاسرة وحدية ورابحة، وادعت في معرض تقديم رؤيتها تلك بأنها ستدعم الشركات الرابحة عبر الخطط الاستثمارية لتبقى رابحة، ولن تطرح تلك الشركات للاستثمار أو الخصخصة، وما سيطرح على الاستثمار الشركات الخاسرة، لأنها باتت تشكل عبئاً كبيراً لا طاقة للحكومة على تحمله، وطرحها للاستثمار سيخفف تلك الأعباء، وبالتالي سيكون بذلك فائدة للاقتصاد الوطني.
ومعظم الشركات الخاسرة التي أصابتها الحكومة بإجراءاتها المتتالية من قطاع النسيج الذي مني بخسائر فادحة متتالية، بسبب الإدارات الفاسدة وقدم الآلات والإنتاج المتدني والتسويق السيئ للإنتاج، هذا بالإضافة إلى السماح للبضائع والمنتجات النسيجية بالدخول إلى الأسواق السورية، بأسعار رخيصة ومنافسه للمنتج السوري الذي ترك وحيداً في المواجهة دون دعم، وهذه الإجراءات أثرت حتى على القطاع الخاص لقطاع النسيج الذي يعتمد في جزء أساسي من إنتاجه على المواد الأولية المصنعة في معامل الغزل والنسيج للقطاع العام.
لقد كانت إجراءات الحكومة بحق قطاع النسيج مجحفة، رغم أن مادته الأولية محلية، ويمكن أن تحقق قيمة مضافة كبيرة، وتشغل عدداً كبيراً من العمال، ولكن الذي فعلته تلك الإجراءات أنها جعلت معامل النسيج الصغيرة في القطاع الخاص تقفل أبوابها وتسرح عمالها، كما صرح بذلك العديد من الصناعيين في قطاع النسيج.
ما هو مستغرب في كل هذا موقف النقابات منذ بداية طرح الحكومة لبرنامجها «الإصلاحي»، فقد وافقت الحكومة على تصنيفها للشركات حيث كرَّت المسبحة واستمرت الحكومة ببرنامجها، وبقيت النقابات تتعاطى مع الحكومة من خلال المذكرات، بأن تحتج على هذا الموقف أو ذاك، أو تشيد بموقف الحكومة كلما عبَّر أحد أركانها بأنه مع العمال وقضاياهم وتبقى القضية بحدود القول.
إن هذا الموقف العجيب الغريب أوقع النقابات في حرج لا تحسد عليه، وهذا الحرج يتمثل بضرورة الدفاع عن الملكية العامة وتطويرها والحفاظ عليها، كما هو وارد في قانون التنظيم النقابي /84/، وأيضاً الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة التي أصابت إجراءات الحكومة تلك مصالحها وحقوقها ومكاسبها. والوجه الآخر لهذا الحرج متمثل بعقد الشراكة مع الحكومة التي تتمسك بها النقابات بكل ما أوتيت من قوة، بينما الحكومة ترى فيها ممراً مهماً لتمرير برنامجها في القطاع العام والطبقة العاملة السورية، بالرغم من أن الكوادر النقابية وفي كل الاجتماعات والمؤتمرات توجه نقداً جريئاً لتلك الشراكة، ونرى فيها انتقاصاً من دور النقابات ومن قدرتها في الدفاع عن الاقتصاد الوطني والحفاظ عليه إضافة للدفاع عن حقوق ومصالح العمال، والتي أخذت الحكومة بأجراء قصفها المدفعي التمهيدي الإعلامي والنفسي منذ فترة ليست بالقصيرة، محمله العمال مسؤولية ما آلت إليه الشركات، حيث بدأت بطرح موضوع العمالة الفائضة، والتكاليف الباهظة التي تسببها أجورهم، والتي قدرتها وزارة الصناعة بـ /1.847/ مليون، دون أن تتحمل مسؤولية هؤلاء العمال، حيث بدأت الحكومة بإغلاق المعامل والشركات وترحيل العمال إلى خارج مواقع عملهم الأصلية إلى جهات أخرى، تحت دعوى الحفاظ عليهم وعدم تسريحهم، والآن تطرح أن هؤلاء العمال يشكلون عبئاً.
والسؤال المطروح: هل ما تصرح به وزارة الصناعة حول العمالة الفائضة ونقل العمال من الشركات المتوقفة مقدمة لعملية تسريح واسعة ستقوم بها الحكومة، تحت دعوى أنه لم يعد هناك إمكانية في توفير أجور العمال؟!
إن الرسائل التي تبعث بها الحكومة كثيرة حول مصير العمال «الفائضين»، وعلى النقابات أن تتعامل مع تلك الرسائل بالجدية المطلوبة التي تقتضيها مصالح العمال وحقوقهم ومكاسبهم، والتخلص من فكرة أن «الإمكانيات لا تسمح بتحقيق مطالب العمال»، وفي هذا القول تكون الحكومة قد مررت برنامجها هذا عبر النقابات، وهذا ما لا يجب أن يتم.