بصراحة: تعديل قانون التأمينات يضع النقابات أما م استحقاق تاريخي..
في خضم الأحداث المتسارعة اقتصادياً ومالياً على الساحة الدولية، وبعد الخيبات المدوية لمعظم الاقتصاديات العالمية وأسواقها المالية؛ يطل علينا بين الفينة والأخرى خبراء من صندوق النقد والبنك الدوليين تحت مسميات عدة ليتحفونا بوصفاتهم، فأحياناً يأتون باسم وفود من الاتحاد الأوروبي، وأحياناً أخرى باسم جديد عظيم: «الخبراء الاكتواريون»، وليس آخراً باسم منقذي الاقتصاد السوري من الانهيار.
فخلال الأسبوع الفائت، وحسب مصادر موثوقة في مؤسسة التأمينات الاجتماعية، كان هؤلاء بغض النظر عن التسمية التي انتقوها من التسميات الثلاث الواردة أعلاه، يقومون بجولة إشرافية في المؤسسة، دامت لساعات طويلة، بغية إجراء تعديل في قانون التأمينات الاجتماعية الذي لم يعد يقنع صندوق النقد الدولي بوضعه الحالي، بعد دراسته لتقارير وإحصائيات قدمتها له الحكومة بشكل عام، ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بشكل خاص. أو ربما من كبار ممثلي بعض المؤسسات المالية السورية الرسميين والفخريين.
وحسب مصادر مطلعة فقد أصر ممثلو صندوق النقد والبنك الدوليين في الندوة التي أقيمت في رئاسة مجلس الوزراء على أنه إذا لم يتم التعديل، فإن المؤسسة سوف تتجه إلى الإفلاس!! لأن نسبة 75% كتأمينات للعمال والموظفين باتت غير منطقية، ويجب تخفيضها إلى 62%، ورفع سن التقاعد من 30 إلى 40 سنة خدمة. وعلى الرغم من الرفض المتواصل المباشر أحياناً وغير المباشر في بعض المناسبات، من اتحاد نقابات العمال لكل التعديلات، وإصراره على أن الحكومة لا تدفع ليرة واحدة من موازنتها للتأمينات لأن التأمينات هي من أموال العمال، لكن يبدو أن الحكومة مصرة على التعديل بناء على ملاحظات الخبراء، وستتجاهل معارضة ممثلي النقابات العمالية الذين أكدوا بأن أي قانون أو تشريع جديد في هذا المجال «لن يوقفنا في دفاعنا عن مكاسب العمال والتراجع عنه»..
كان المقترح أن يطبق المشروع على كل عامل جديد منتسب، وكأن العمال الجدد هم ليسوا أبناء الوطن ولا يعانون من السياسات التي بدأت تنهكه وتنهكهم؟!
وقد صرح قائد نقابي في الاتحاد العام لنقابات العمال لقاسيون: « إذا أُقر مشروع التعديل فسيكون الشارع هو الفصل بيننا وبين الحكومة»..
من جانبه ذكر خلف العبد الله مدير عام مؤسسة التأمينات الاجتماعية وفي أكثر من مناسبة ولقاء صحفي: «إن الحجة الكبرى في التعديل، هي أن نسب الاشتراك بالتأمينات الاجتماعية مرتفعة مقارنة مع الدول الأخرى، ولا يمكن تحملها في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، ويطالبون بتخفيضها أو إلغائها بذريعة تشجيع الاستثمار».. وقد اعتبر العبد الله أن هذا الكلام وهذه الحجج غير مقنعة لأن نسب الاشتراك مقبولة ومعقولة قياساً ومقارنةً بالدول الأخرى، مشيراً أن النسبة في سورية تتساوى مع السودان واليمن اللتين تبلغ فيهما النسبة 24%، بينما هي في فرنسا وألمانيا الدوليتن الأوروبيتين 49%، وفي أستراليا 42%، وفي ليبيا 40%، واليونان 35%، وإيطاليا 39%، وأسبانيا 37.83%، وهنغارية 45%، في حين أنها مرتفعة جداً في رومانيا وتصل نسبتها حتى 55%..
وأكد العبد الله من خلال هذه الأرقام المأخوذة من القارات الخمس كأمثلة، أن النسب التأمينية السورية مقارنة مع هذه الأرقام تُعدّ من أقل النسب المعمول بها في معظم أرجاء الكرة الأرضية، مضيفاً أن أصحاب العمل المتهربين من تسجيل عمالهم يبررون ذلك بذرائع واهية، منها أن هذه النسب هي بمثابة ضريبة جديدة تفرض عليهم، وأنهم لن يقبلوا بها كونها تتعامل مع العامل وكأنه شريك في عملية الربح..
والغرابة أن وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل في حديثها عن سبب التهرب قالت: «إن أحد أسباب عدم إشراك أرباب العمل لعمالهم في التأمينات الاجتماعية هو نسب الاشتراك المرتفعة» أي أن الوزارة أعطت المبرر لأصحاب العمل للاستمرار في عدم تسجيل العاملين لديهم في التأمينات، وهذا بحد ذاته يعد موقفاً رجعياً مخزياً من الوزارة التي من المفترض بها أن تحمي عمالها، وترعى علاقة عادلة بينهم وبين أرباب العمل.
عموماً، يبدو أن الأمور تذهب من سيئ إلى أسوأ في هذا السياق، وإذا ظل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي «رايحين جايين» في مؤسساتنا الوطنية، فإننا سنقترح على وزارة الشؤون والحكومة أن تفتتح مركز دراسات لهم، حتى يرتاحوا من السفر ويظلوا عندنا خبراء مداومين على الرحب والسعة!!
والسؤال الملح: لماذا لا تتأخر الحكومة العتيدة قيد أنملة في إعطاء كل ما يلزم لهؤلاء الخبراء من دراسات وتقارير وإحصائيات ومعطيات عن معيشة كل مواطن سوري، في الوقت الذي يذهب الصحافيون عشرات المرات لدوائر الدولة ويقدمون التصاريح والموافقات قبل أن يستطيعوا الحصول على أبسط رقم؟ وهل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أشد حرصاً من أبناء الوطن على مصلحة المواطن؟ ثم ألا يعد هذا تدخلاً سافراً في شؤوننا الداخلية؟