العمال المؤقتون.. قوانين قاصرة
لا يمكن أن يكون التشريع جامداً إذا أراد تأدية الغاية المرجوة، بجب أن يتحرك بموجب المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية، ويكون مواكباً للتنمية. نقول ذلك لأن قرارات وقوانين ومراسيم تصدر وقد تحقق في حينه الغاية التي صدرت لأجلها، إن كانت في زيادة الرواتب والأجور أو في تعويضات طبيعة العمل والحوافز والوجبة الغذائية، وقد حققت هذه التعويضات مكسباً للعمال، ولكنها بقيت جامدة منذ عقود، وكان من المنطقي والقانوني أن تتحرك مع تحرك الأجور والرواتب.
مثلاً الوجبة الغذائية كانت 16 ل.س في سبعينات القرن الماضي ومازالت كما هي، كذلك طبيعة العمل منحت للصحفيين وغيرهم على رواتب الثمانينات ومازالت كما هي، هذه القضايا والتفعيلات تشغل النقابات العمالية بشكل عام في المؤتمرات وفي المذكرات وفي العمل اليومي، وأبرز هذه القضايا المطلبية موضوع العمال المؤقتين والوكلاء، حيث لم تعد تكفي المذكرات.
يقول الاتحاد العام في هذا المجال: اتضح أن العاملين الذين لم يتم تثبيتهم حتى الآن في قطاعات مختلفة، قد تم تعيينهم بعد صدور القانون رقم 8 لعام 2001 القاضي بتثبيت العاملين، إضافة للذين مضى على استخدامهم أقل من سنتين.
قبل صدور القانون المذكور ولدى دراسة وضع العمال غير المثبتين تبين أن عدداً لا بأس به من العاملين وهم على رأس عملهم لم يشملهم هذا القانون لأسباب عديدة منها:
1 ـ كون بعض العاملين لم يمضوا سنتين في العمل وقت صدوره.
2 ـ معاقبة البعض بتخفيض 5 % من الراتب لأسباب مختلفة.
3 ـ الالتحاق بالخدمة الإلزامية من البعض أثناء صدور القانون.
4 ـ تقاعس بعض الإدارات عن تنفيذه لأسباب ذاتية.
هنا نسأل: هل من المنطق والقانوني أن من كان ينقصه خمسة أيام أو حتى شهرين لا يثبّت نهائياً؟! هل ورد في القانون مدة محددة للتنفيذ يفقدها من لا يسرع بتطبيقه؟!!
قانون تثبيت العاملين يعني أن من يعمل يجب أن يثبت مباشرة بعد عامين، لا أن يثبت القائم على العمل فقط، وهذا ما حدث، وهذا يعني استمرار النقابات في متابعة من لم يثبت، هل الزمن توقف مع صدور القانون؟!
بدراسة إحصائية للعاملين كافة الذين لم يشملهم القانون رقم 8 لعام 2001 للأسباب المذكورة، تبين أن عددهم 48463 عاملاً في وزارات ومؤسسات وشركات وإدارات القطاع العام كافة.
طبعاً هذا العدد كان قبل عام، الآن العدد وصل إلى 60 ألفاً، ويؤكد الاتحاد في هذا الصدد أن الأسباب الموجبة لاستصدار قانون جديد مماثل للقانون 8 لتثبيت هؤلاء العاملين لن يكلف الموازنة العامة أية مبالغ إضافية، كونهم يتقاضون الرواتب والأجور شهرياً منذ سنوات، ويعملون أعمالاً ذات طبيعة دائمة ولايمكن الاستغناء عن خدماتهم، ولو كان غير ذلك لما استمروا، علماً أن القانون يجيز إنهاء عقود استخدامهم دون ذكر الأسباب.
أما بالنسبة للحديث الدائم والتهويل عن الفائض من اليد العاملة.. قُدر عدد العاملين في القطاع الصناعي بـ15 ألف عامل، وقد اقترح السيد وزير الصناعة إعادة تأهيل هؤلاء العمال وتوزيعهم على شركات ومعامل بحاجة إلى عملهم، ولكن بقي الاقتراح اقتراحاً.
علماً أن شركات ومعامل عديدة ترفع الكتب وتتوسط من أجل تعيين بضعة عمال بحاجة إليهم، ولكن لا يتم التعيين، وأحياناً يتوقف العمل ويحدث خلل في الشركات لعدم وجود عمالة إنتاجية، منها مثلاً شركة الإطارات، لديها عمال مرضى ولديهم تقارير طبية توصي بإبعادهم عن العمل المجهد، وقسم الخلطة بالشركة بحاجة إلى عمال، الشركة لا يُسمح لها بالتعيين والجهات الوصائية لا توافق ولا توجد حلول للعمال المرضى. وهناك شركة البورسلان، وهي منذ سنوات وهي تراسل وتتوسط لتعيين عمال في الأدوات الصحية ولكن بلا جدوى، وحتى في الشركات الإنشائية، نجد فائضاً في هذا القسم، ونقصاً في موقع آخر، وأكثر المدراء في هذا القطاع يبررون إعطاءهم بعض المشاريع التي يحصلون عليها إلى المتعهدين تحت حجة عدم وجود كوادر فنية إنتاجية في مهن معينة.
وهنا نسأل: أين الفائض العمالي؟
الواقع يشير إلى أن الحاجة ماسة جداً لقوانين عديدة، منها قوانين تثبيت العمال، وإصدار الملاكات العددية للجهات العامة وملء الشواغر الحاصلة لدى هذه الجهات، وإعادة النظر بالمكاسب السابقة، كالوجبة الغذائية والتعويضات، ومعالجة واقع العمال المرضى في الشركات، وإيجاد حلول منطقية لهؤلاء بمنحهم كامل رواتبهم مع الضمانات الصحية الكاملة، لأنهم وعددهم كبير، أفنوا عمرهم في العمل والإنتاج، وأصيبوا بأمراض مهنية، وإنصافهم قضية أخلاقية بالدرجة الأولى.