بصراحة ليس بالمفاوضات وحدها يحصل العمال على حقوقهم!!
تمخض الجبل فولد فأراً: هذا ما تمخضت عنه الزيادة المقررة لعمال القطاع الخاص (1300 + 5 %)، فهذه الزيادة لا تقدم لأجور العمال إلا الفتات الزائد عن أرباح الرأسماليين، هذا إن كان هناك ما يمكن أن يزيد.
ولا ندري إن كان الأطراف الثلاثة الذين أقروا هذه الزيادة على علم بما وصل إليه حال العمال من بؤس وفقر بسبب ضعف أجورهم وغلاء الأسعار الذي يكتوون بناره، فإن كانوا يدورن وهم كذلك، فتلك مصيبة، وإن كانوا لا يدرون فالمصيبة أعظم..
نحن نعتقد، وكذلك العمال، أن الأطراف الثلاثة على دراية تامة بأوضاع العمال وظروف معيشتهم، ولكن ما يحدد مقدار زيادة الأجور لتتناسب مع غلاء الأسعار ليس الرغبات، بل قوة كل طرف من الأطراف، التي لها علاقة مباشرة بالمفاوضات التي جرت، فالحكومة ممثلة بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل طرف غير حيادي على الإطلاق، حيث تنحاز بعدتها وعديدها ومناهجها (الجديدة) إلى جانب أرباب العمل، وما يمثلونه من قوة تقرر ما تريد، وفقاً لمصالحها ومصالح أرباحها، والمفترض بهذه الوزارة أن تكون راعية لمصالح الأطراف الأخرى وفقاً للقانون الناظم للعلاقة بين العمل، وأرباب العمل، بل أن تكون ساهرة على حقوق الطرف الأضعف، وهم العمال لكي لا تُمس حقوقهم التي نص عليها قانون العمل، وقانون التأمينات الاجتماعية، حيث دفع العمال أثماناً غالية من أجل مطالبهم العادلة بثماني ساعات عمل، وأجور متناسبة مع الأسعار، ورعاية صحية وإجازات، وتطبيق المرسوم 49 الخاص بتسريح العمال، حيث يسعى أرباب العمل بمؤازرة وزارة العمل، إلى إلغاء هذا القانون بالرغم من تطبيقه المحدود، بسبب وجود استقالات مسبقة وبراءات ذمة مسبقة، يفرضها أرباب العمل على العمال بشكل سافر ودائم.
الطرف الثاني في لجنة الحوار هم أرباب العمل ذوو القلم الأخضر، المعبدة كل الطرق أمامهم ليصبحوا أسياد اقتصادنا الوطني، والمقررين لاتجاهات تطوره الآني، واللاحق، والذي بأغلبه يسير الآن باتجاه الاستثمار العقاري والسياحي والمالي، بينما يضعف الجانب الصناعي، ويتردى بشكل غير مسبوق، كل ذلك على حساب ما هو قائم الآن من صناعات وطنية، حيث تتعرض هذه الصناعات للمنافسة الشديدة، وهي مهددة بالإفلاس، والانقراض، مما يعني تهديد الألوف من العمال بالتسريح ليتفاقم ويزايد جيش العاطلين عن العمل.
إن من يملك، ويتحكم بالقرار الاقتصادي يحكم، وبالتالي فإن قوته يستمدها من ملكيته هذه، والتي من خلالها يعرض عما يتوجب عليه من واجبات تجاه حقوق العمال، وليس من شيء يلزمه بهذه الحقوق، وعلى رأسها زيادة أجورهم، التي يدرك العمال اليوم أن لا سبيل لنيلها إلا بتعاضدهم ووحدتهم، دون انتظار دعم الحكومة!.
أما الطرف الثالث أي النقابات، باعتبارها ممثلة لمصالح العمال، فإن قدرتها على فرض الزيادة اللازمة على أجور العمال، مرهونة بعوامل عدة لا تستطيع تجاوزها الآن، وأهمها عدم تبنيها لحق الإضراب للطبقة العاملة كأحد الأسلحة الهامة، والمختبرة منذ عقود طويلة، في تحقيق الضغط اللازم، وتعديل موازين القوى التي تسمح بالاستجابة لحقوق الطبقة العاملة. فقوة الرأسمال لا بد أن يقابلها قوة العمل، وهي ممثلة بوحدة مصالح الطبقة العاملة، والمعبر عنها بإعادة توزيع عادل للدخل الوطني من خلال كسر معادلة (أرباح وأجور)، لصالح الأجور، والتي لا تتجاوز الآن في سورية الـ 20 % من الدخل الوطني بأحسن أحوالها.
في أواخر أيار عام 1946 وجه عمال حلب رسالة إلى رئيس مجلس الوزراء آنذاك قائلين: (ياصاحب الفخامة: الأزمة الاقتصادية، البطالة، غلاء المعيشة، تنزيل الأجور، يهددنا بالفناء العاجل، أصبحنا بحالة يأس مسيطر علينا، شدة الضائقة تضطرنا لاستعمال حقنا المقدس، الإضراب)..
ليس بالمفاوضات وحدها يحصل العمال على حقوقهم.
■ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.