بصراحة: الطبقة العاملة الواسعة.. والتحديات الكبرى..
تهيّئ الظروف والمناخات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية السائدة في الواقع الراهن كل ما يلزم لاتساع مفهوم «الطبقة العاملة»، ليأخذ معناه الحقيقي كاملاً، ويصبح بالتالي، شاملاً لكل أصحاب الدخل الضعيف من المنتجين الفعليين بسواعدهم وأدمغتهم. فمع استمرار وتصاعد عمليات النهب وتمركز الثروة في العالم بأسره، وبدء تلاشي ما كان يُعرف باسم «الشرائح المتوسطة» في معظم بقاع الأرض نتيجة شره الرأسمالية ووصوله إلى أقصاه، يتعمّق الفرز الاجتماعي بشكل صارخ، وتنشأ هوة حقيقية بين من يعملون وينتجون، وبين من يملكون الثروة والسلطة والقرار، وتنضم بصورة متواترة أعداد متزايدة من المثقفين والمبدعين والأكاديميين والحرفيين المهرة والفلاحين والمزارعين، بحكم ظروفهم المادية والمعنوية المستجدة، إلى صفوف الطبقة العاملة..
هذه الظروف الراهنة، وإن بدت كارثية بسبب ما تكرّسه من فقر وبطالة واختلالات اجتماعية على امتداد العالم، إلا أن ما يمكن أن تشكل أرضيته من احتمالات تغيير وشيكة لمصلحة من لا يملكون سوى قوة عملهم، يبعث على الكثير من التفاؤل والأمل بقرب الخلاص من براثن الجور الإمبريالي.
ولا يختلف الوضع في سورية عن مثيله في العالم، بل لعل الفرز الحاصل عندنا نموذج أكثر حدة ووضوحاً لما يجري على نطاق العالم، بل لعله الأكثر إيلاماً بسبب خصوصيته، ففي بلدنا الذي لم يعرف شعبه من الرأسمالية سوى رأسمالية الدولة بتشوهاتها المعروفة، إلا في فترات قصيرة سبقت الاستقلال وتلته، وجد المواطن السوري نفسه دون مقدمات أمام أبشع تجليات النهب الرأسمالي عبر كيّه بوصفات الليبرالية الجديدة المبتكرة خصيصاً لشرعنة الاستغلال والنهب، وقد بدأ هذا الانعطاف المباغت بتخلي الدولة على حين غرة عن دورها الرعائي والموجه، وتسليمها مقاليد الإدارة الاقتصادية – الاجتماعية لأشد المتحمسين لوصفات صندوق النقد والبنك الدوليين، فسارع هؤلاء الليبراليون الجدد بكل ما يملكون من قوة ودعم خارجي، وبقدر ما سمحت لهم الظروف وممانعات قوى المجتمع، لتطبيق بنود اتفاق واشنطن، فشرعوا بالخصخصة وفتح الأسواق وتحرير التجارة ورفع الدعم عن المواد والسلع الأساسية، فتباطأ الإنتاج، وانتشرت البطالة، وتراجعت الخدمات، وازداد الفساد، وعظُم النهب، وتدهورت أوضاع المنشآت، وانخفض المستوى المعيشي للغالبية العظمى من المواطنين، وانحدرت أحوال الكثيرين منهم إلى الحضيض، وبالتالي اتسعت رقعة المواطنين المتشابهين في ظروفهم ومستوى دخلهم وحجم ومعاناتهم على اختلاف نمط ونوع إنتاجهم.
لكن، في المقابل، وأمام الانعطافة غير المتوقعة، وجدت الجهات التي من شأنها الدفاع عن مصالح كل هذه الشرائح المتضررة، والمعني هنا هو المنظمات الشعبية والنقابات العمالية والقوى والتيارات والأحزاب الوطنية، غير جاهزة لتحمل مسؤولياتها التاريخية تجاه من تمثلهم، وهي التي اعتادت الكسل والتواكل في ظل تماهيها بهذا القدر أو ذاك مع البرامج الحكومية لعقود طويلة، ما أفسح المجال للقوى الليبرالية لتنفذ قسماً كبيراً من برامجها وخططها وسياساتها دون عوائق تذكر، وهي ما تزال تسعى لتحقيق كامل أهدافها دون كلل أو رادع.
لذلك فالمطلوب اليوم، وقد اتسع مفهوم الطبقة العاملة بقدر اتساع الآثار السلبية الناتجة عن السياسات النيوليبرالية، أن تنهض القوى المتضررة من هذه السياسات، وعلى رأسها اتحاد نقابات العمال، وأن تبذل قصارى جهدها لتوحيد جميع المتضررين من هذه السياسات في خندق واحد، ومن ثم الانتقال إلى الهجوم المضاد ضد من مازال يحسب أن بإمكانه الاستمرار في تجويع الناس وخلخلة الاقتصاد الوطني وتمزيق المجتمع ودفعه نحو البطالة والعوز والقبول بالأمر الواقع..
في سورية التي يحاول الأعداء المتربصون محاصرتها وإرهابها، لم يعد ثمة فرق كبير بين عامل أو مزارع أو مهندس أو صحفي أو طبيب أو محام، طالما أن الجميع يعانون من شرور الليبرالية الجديدة بدرجات متقاربة، وإذا أضفنا إلى كل أولئك العاطلين عن العمل، فستكون النتيجة جيشاً جراراً، إن اتحدت قواه، فإنه بالتأكيد سينزل هزيمة ماحقة بكل القوى التي تستهين بكرامة الوطن.. والمواطن.
■ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.