بصراحة: حقوق مهدورة في غياب العمل النقابي
في لقاء مع بعض عمال القطاع الخاص الذين يعمل معظمهم في مهنة لها علاقة بالنسيج مثل صناعة الألبسة (النسائية، الولادية، الرجالية)، وصناعة البياضات مثل (الشراشف، والمفارش... وغيرها)، تعمقت معرفتنا بظروفهم من النواحي كافة.
هؤلاء العمال لهم هموم كثيرة مع هذه الصناعات العريقة في بلدنا، والتي كانت تشغل الآلاف منهم، ومازالت إلى الآن إحدى أهم روافد الاقتصاد الوطني، ولكن مع سياسة التحرير الحكومية للأسواق وسماحها للبضائع بالدخول إلى الأسواق، تركت هذه الصناعة الوطنية تواجه مصيراً لا تحسد عليه من حيث المنافسة وسعر الأصناف الرخيصة الداخلة إلى السوق، وإن كانت جودتها لا تضاهي الصناعة الوطنية.. هذه الأوضاع المستجدة قد عكست نفسها على صناعتنا العريقة هذه، وجعلتها في حيرة من أمرها، وفي مأزق لا تحسد عليه، لأنها لم تعد قادرة على مواجهة متطلبات السوق واحتياجاته بسبب التكاليف الباهظة للإنتاج، والتي يعزوها الكثير من جهابذة الاقتصاد ويؤيدهم بها أرباب العمل، إلى أجور اليد العاملة، وليس إلى ارتفاع أسعار الطاقة (الكهرباء، المازوت، المواد الأولية، الضرائب، وغيرها من العناصر...) التي تدخل في حساب التكاليف، والتي تحدد في النهاية سعر المنتج النهائي الذي يدخل فيه ربح رب العمل الذي يشكل أكثر من /50%/ من السعر النهائي للمنتج.
إن نسبة أجور العمال بما فيها التعويضات، لا تتجاوز في القطاع الخاص الـ/13%/ من التكاليف مقابل عمل العامل في أغلب المعامل /12/ ساعة دون تعويض عن الساعات الإضافية، وخاصة في المعامل الصغيرة التي لا يتجاوز تعداد عمالها الخمسين عاملاً، ويعملون بشروط عمل قاسية، من حيث المكان الضيق الذي يتكدس فيه العمال، واستغلال رب العمل كل متر من المنشأة الصناعية التي هي بالأساس صغيرة المساحة، وتفتقر لشروط الصحة والسلامة المهنية، ومن حيث التهوية غير الكافية في فصلي الصيف والشتاء، هذا بالإضافة لانعدام المواصلات التي فرض القانون على رب العمل تأمينها للعمال.
وبالعودة إلى ما تحدث به العمال حول الكثير من الهموم، تبرز القرارات التي يصدرها أصحاب المعامل بين الحين والآخر، وهي قرارات مخالفة للقانون الذي طبّل وزمّر له الكثيرون بمن فيهم النقابات التي أصدرت كتيباً عددت فيه المزايا التي حصل عليها العمال في القطاع الخاص، والتي لم تكن موجودة سابقاً حسب ما أكده الكتيب.
ما نود أن نقوله بهذا السياق إن العبرة ليست فيما طرحه القانون من مزايا وحقوق للعمال، فتلك المزايا والحقوق كانت موجودة في القوانين السابقة، وبعضها كان متقدماً عما طرح في القانون /91/، والقانون /17/، مثل حق الإضراب للعمال في حال عدم التوصل إلى اتفاق مع أرباب العمل بعد التفاوض على المطالب المطروحة، كما جاء في القانون /246/ الصادر في زمن حكومة خالد العظم (البرجوازي).
وسنورد بعض الأمثلة على ما يقوم به أرباب العمل متجاوزين فيها القوانين:
1- إحدى الشركات الكبرى قام جزء من عمالها بالاحتجاج مطالبين ببعض الحقوق (يعمل العمال في صناعة تابعة لنقابة عمال الكهرباء والصناعات المعدنية)، فما كان من صاحب الشركة إلا أن أمر وكيله بتسريح العمال تسريحاً تعسفياً، ولم يعودوا إلى عملهم إلا بعد أن تنازلوا عن حقوقهم التي يطالبون بها مع كتاب تعهد بعدم اللجوء إلى الاحتجاج أو الإضراب تحت طائلة التسريح.
2- أحد المنشآت تقوم بتسريح عمالها سنوياً وتجدد العقود معهم للهروب من دفع التعويضات لهم في حال تسريحهم، وكذلك للهروب من تسجيلهم بالتأمينات (تابعين لنقابة عمال النسيج).
3- أصدر بعض أرباب العمل قراراً يتم بموجبه احتساب كل ساعة تأخير بأربع ساعات، واحتساب كل يوم غياب غير مبرر بأربعة أيام، واحتساب كل يوم غياب مبرر بيومين!.
4- أحد المعامل يعطي عماله إجازة يوم إجبارية، ودون أجر كل أسبوع، بالإضافة ليوم الجمعة، (تابعة لنقابة الصناعات الخفيفة).
هذا بالإضافة إلى أن جميع أرباب العمل لا يحولون عمالهم إلى مؤسسة التأمينات الاجتماعية أثناء إصابة العامل بإصابة عمل، بل يرسلونهم إلى أطباء متعاقدين معهم للعلاج المؤقت من الإصابة، وبالتالي فإن العامل يخسر حقه بالعلاج الضروري حتى شفائه من الإصابة كلياً، وحقه بنسبة العجز نتيجة الإصابة إن كانت إصابته بالغة كما حدث لأحد العمال في شركة (مرموقة)، حيث أصيب أثناء العمل بعينه اليمنى مما أدى إلى فقدانه البصر بهذه العين، ولم يتم تحويله للتأمينات الاجتماعية!.
إن هذه بعض النماذج على ما يحدث في معامل القطاع الخاص، التي يحتاج عمالها لأكثر من الكلام والتقارير والكتابة، إنهم يحتاجون الفعل والعمل للدفاع عن حقوقهم وليس بالنيابة عنهم، وهذه مسؤولية النقابات وكل القوى الوطنية الشريفة في وطننا.. فهل نفعل ذلك؟؟.