اتحاد للفلاحين: إعادة فكرة الغرف الزراعية مرفوض جملة وتفصيلاً
حسناً فعل المكتب التنفيذي للاتحاد العام للفلاحين عندما أبدى رأيه الرافض إعادة الاعتبار للغرف الزراعية التي أكل عليها الدهر وشرب تحت حجج واهية، هذه الحجج التي رفضها التنظيم الفلاحي جملة وتفصيلاً، واعتبر في الوقت ذاته أن الاتحاد العام للفلاحين هو الممثل الوحيد والقائد للقطاع الفلاحي والزراعي ولا بديل عنه، مؤكداً عدم وجود أي تشريع نافذ في سورية ينظم عمل الغرف الزراعية، وعلى عدم وجود أي مبرر لهذه الغرف، خاصة بعد أن تم استيعاب أعضائها في اتحاد الفلاحين، وفي نقابة المهندسين الزراعيين، وليس هذا فقط، بل دعا إلى ضرورة تصفية هذه الغرف المنحلة حكماً وفق القانون.
وفي مذكرة للاتحاد العام نشرتها الزميلة «البعث» حول ملابسات اجتماع الغرف الزراعية، يوضح المكتب التنفيذي لاتحاد الفلاحين: «إننا لسنا بحاجة إلى أن نُعرّف عن الاتحاد العام للفلاحين ودوره ومكانته الاقتصادية والتنظيمية، والذي يمتد نشاطه على مساحة القطر العربي السوري من خلال نحو 6000 جمعية فلاحية والتي أوجب عليها القانون خدمة الفلاحين والمزارعين المنتسبين وغير المنتسبين، كما حدد القانون مهام الاتحاد العام للفلاحين وهي المشاركة والمساهمة في رسم وتنفيذ السياسة الزراعية للبلاد، وكذلك التنظيمات والتشريعات والقوانين المتعلقة بالقطاع الزراعي»، وأضاف المكتب في المذكرة «إن الغرف الزراعية ليس لديها مصرح أو ناطق باسمه كما يشاع، ولم يكن ما يسمى رئيس الغرف طرفاً في أي سجال، ولم يكن موجوداً في الاجتماع الذي كتب عنه الإعلام، والتصريح الذي تم نشره هو للسيد محمد كشتو الذي انتحل صفة رئيس الغرف الزراعية، وأشار إلى تعميم برقم 5192/ص تاريخ 1999 يجيز عمل الغرف الزراعية، ونعلم ويعلم الجميع بأن تعميماً لمسؤول ما لا يلغي قانوناً، وهذا التعميم يؤيد رأينا القانوني، ولو كانوا موجودين بالفعل لما احتاجوا لمثل هذا التعميم أصلاً».
وقد أبدى الاتحاد استغرابه من إثارة هذا الموضوع إلى الواجهة في هذا الوقت حيث بين في المذكرة «أنه ومن المثير للدهشة أن يقدم البعض على إعداد مشروع تعديل لقانون ملغى، والأكثر غرابة أنه جاء في الأسباب الموجبة لتعديل مشروع القانون أن نسبة الأراضي التي يستثمرها منتسبو الغرف الزراعية هي 75٪ من الأراضي الزراعية فهل هذا صحيح؟!.. هذا تضليل واضح... وبالنسبة لما أورده كشتو حول رجال الأعمال العاملين في القطاع الزراعي، فنحن نجلهم ونحترمهم وندعوهم إلى المزيد من الاستثمار في القطاع الزراعي وذلك من خلال عملهم في غرفة التجارة.
وقد قدم الاتحاد الرأي القانوني الذي تبنّاه المكتب التنفيذي للاتحاد العام للفلاحين في مذكرته بالقول:
«إننا وقد اطّلعنا على مشروع تعديل القانون الخاص بالغرف الزراعية رقم /129/ لعام 1958 الذي يُعدل ويقوي ويزيد من مساحة وكيان وأهداف الغرف الزراعية لتشكل تنظيماً جديداً رديفاً ومنافساً ومضارباً، ويؤلف ازدواجية مع تنظيمنا الفلاحي رقم /21/ لعام 1974 الكبير والقوي المنتشر في جميع أنحاء قطرنا الجميل والخيّر، والذي يُعدّ بحق تنظيماً اجتماعياً ونضالياً وطنياً وتقدمياً وقاعدة أساسية في نظامنا السياسي، ويرعى جميع العاملين في قطاع الزراعة والإنتاج الزراعي-بشقيه النباتي والحيواني- ويضم جميع فئات وحلقات العمل والإنتاج الزراعي من عمال وفلاحين ومنتجين ومالكين للأرض الزراعية بحدود مثلي سقف ملكية المنتفع من قانون الإصلاح الزراعي التي تبلغ عشرات الهكتارات من الأراضي المروية والمشجّرة وأضعافها في الأراضي البعلية، وإننا نلاحظ في قانون تنظيمنا الفلاحي رقم /21/ لعام 1974 مرتعاً في هيكله التنظيمي لأصحاب العمل والمشاريع التي تحاول الغرف الزراعية تمثيلهم، فهو تنظيم مجتمعي يضم جميع الفلاحين في الأراضي الزراعية والمنتجين لخيراتها وحاصلاتها في الحقلين النباتي والحيواني، وكيف لا وقد زال كابوس الإقطاع والإقطاعيين... وغاب دون رجعة نفوذهم السياسي والاقتصادي ليحلّ محلهم العاملون في الأرض والمنتجون لخيراتها بجهدهم وعملهم وفنهم وفكرهم وإدارتهم ورأسمالهم وانتمائهم، وهذا ما يتمثل بتنظيمنا الفلاحي الشامخ والناجح...
إن القانون الخاص بالغرف الزراعية رقم /129/ قد أُلغي وجوده نظرياً وعملياً بعد قوانين اجتماعية واقتصادية غيّرت وجه المجتمع وطبيعة أنسجته الاجتماعية والاقتصادية وأنصفت العمال والفلاحين، وطوّرت ونمّت الريف والمجتمع الريفي الزراعي وأهمها قوانين الإصلاح الزراعي وسقوف الملكية الزراعية وتنظيم العلاقات الزراعية وقانون استصلاح الأراضي وقانون تنظيمنا الفلاحي الحالي.
إن المادة /123/ من نظامنا وأحكام قوانين الإصلاح الزراعي والعلاقات الزراعية واستصلاح الأراضي وغيرها قد ألغت نصاً وضمناً الغرف الزراعية »
ولقد تضمّن التشريع الجديد تعديلات جوهرية على التشريع السابق عبّرت عنها الأسباب الموجبة له وتتعلق:
1ً. بتطوير مفهوم التنظيم النقابي بحيث يتجاوز الأطر النقابية التقليدية الضيقة ويحقق ثورة تنظيمية في الريف تشدّ الفلاحين الكادحين إلى وحدة طبقية متلاحمة تُنظم وتقود نضالهم وتحمي مصالحهم الطبقية وترعى حقوقهم وشؤونهم العامة وتسعى لرفع مستواهم في المجالات كافة.
2ً. اعتبار الاتحاد العام للفلاحين الذي أحدث عام 1964 أول تنظيم فلاحي في القطر والوطن العربي والوحيد الذي يتولى:
- الإشراف على المنظمات الفلاحية في القطر والعمل على تحقيق أهدافها.
- قيادة وتمثيل الفلاحين ومنظماتهم في المجالس واللجان والهيئات والمؤتمرات.
- المشاركة في رسم السياسة الزراعية في القطر والعمل على تنفيذ ما يخصّه منها.
- المشاركة في إعداد مشاريع القوانين والأنظمة الأساسية المتعلقة بالقطاع الزراعي.
- رعاية مصالح الفلاحين غير المنظمين في منظمات فلاحية والعمل على تنظيمهم (البنود 1و2و3و4و7 و11من المادة /88/ من م.ت253).
3ً. توسيع قاعدة التنظم النقابي الفلاحي بحيث يشمل كافة العمال الزراعيين.
4ً. توحيد الهياكل التنظيمية العامة للمنظمات الفلاحية مع مثيلاتها في التنظيم النقابي العمالي القائم على نوع الحصرية في التنظيم.
5- منح الاتحاد العام للفلاحين اختصاصات عامة وشاملة تتعلق بالإشراف على المنظمات الفلاحية في القطر وقيادتها وتمثيلها والعمل على تحقيق وحدة نضال الطبقة الفلاحية العربية ووحدة النضال بين الفلاحين والعمال ورعاية مصالح الفلاحين المنظمين وغير المنظمين .
وبناء على ما تقدم عرضه يمكن أن نستخلص وجود تعارض بين أحكام القانون رقم /129/ لعام /1958/ المتعلق بالغرف الزراعية التي تعد شكلاً من أشكال التنظيم الفلاحي أو الزراعي الذي يضم المزارعين بأية صفة كانت وبين التشريعات اللاحقة له المتعلقة بالتنظيم النقابي الفلاحي (التي أكدت على وحدة التنظيم الفلاحي في الجمهورية العربية السورية)، ووجود تعارض بين وجود اتحاد الغرف الزراعية وبين تنظيم اتحاد الفلاحين الجديد، وهذا بطبيعة الحال وضع شاذ يؤدي الى ازدواجية في التنظيم لا يمكن التسليم باستمرارها مع اعتماد مبدأ وحدة التنظيم النقابي الفلاحي.
ولعله من المفيد التذكير هنا بمفهوم الإلغاء الضمني أيضاً إلى جانب الإلغاء الصريح والذي يترتب قانوناً في حال وجود تعارض صريح بين تشريع لاحق وتشريع سابق ولو لم ينص التشريع اللاحق عللاً لإلغاء التشريع السابق المخالف ككل أو في بعض أحكامه.
- كما أن القانون المذكور حدد للغرف الزراعية أهدافاً عامة تشكل عنصراً جوهرياً من الأهداف المحددة للتنظيم النقابي الفلاحي وللاتحاد العام للفلاحين بشكل عام.
إلا أن المشرع بعد ثورة الثامن من آذار قد أعاد تنظيم الفلاحين والمزارعين والمالكين في تنظيمات نقابية جديدة تختلف من حيث تسميتها وتكوينها وأهدافها والاعتبارات التي تقوم عليها وغيرها عما كان معمولاً به سابقاً، الأمر الذي جعل من التشريعات المتعلقة بالغرف الزراعية متعارضة تعارضاً كلياً مع التشريعات الجديدة اللاحقة وبخاصة مع المبادئ الأساسية التي يقوم عليها التنظيم الفلاحي في ثوبه الجديد.
وكل هذه الأمور تعني بالضرورة عدم ازدواجية التنظيم الفلاحي في الجمهورية العربية السورية، وبالتالي عدم إمكان الاعتراف بأي وجود مشروع لأي منظمات فلاحية زراعية بأية تسمية (غرفة أو جمعية) غير التنظيمات القائمة حالياً بموجب القوانين النافذة والتي لا يمكن بوجودها الاعتراف بوجود أي شريك لها يقاسمها الأهداف نفسها الأعضاء نفسهم. وخلال الفترة اللاحقة لقيام اتحاد الفلاحين تراخى الوجود الفعلي لغرف الزراعة وعدم ظهور أي دور أو نشاط لها سواء أكان سياسياً أو مهنياً اجتماعياً أو نقابياً على صعيد الحياة العامة وذلك بسبب غياب الغطاء التشريعي الحقيقي لها.
وعلى هذا الأساس نجد أن النصوص التشريعية المختلفة النافذة المتعلقة بالسياسة الزراعية الوطنية وأهمها قانون استصلاح الأراضي، أنها تعاملت مع الاتحاد العام للفلاحين كممثل وحيد وقائد للقطاع الفلاحي أو الزراعي، وبالمقابل غياب أي دور شكلي أو فعلي للغرف الزراعية في القوانين والأنظمة التي صدرت بعد ثورة الثامن من آذار ما يشكل تعبيراً أكيداً عن رغبة المشرع السوري في تجاهل وجود الغرف الزراعية بعد صدور التشريعات المتعلقة بالتنظيم النقابي الفلاحي.
وعلى ما تقدم يُؤَيد عدم وجود أي تشريع نافذ ينظم الغرف الزراعية وعدم وجود أي مبرر لوجود هذه الغرف بعد أن تم استيعاب أعضائها في الاتحاد العام للفلاحين وفي نقابة المهندسين الزراعيين.