عادل ياسين عادل ياسين

بصراحة: أرباب العمل وإصابات العمل المهنية

كثيراً ما يجري الحديث عن انخفاض حاصل في إصابات العمل المسجلة لدى التأمينات الاجتماعية، ورد ذلك كما يُذكر، سببه زيادة الاهتمام من جانب مفتشي التأمينات للمعامل والمنشآت الإنتاجية، ومتابعتهم المستمرة للصحة والسلامة المهنية والأمن الصناعي في المنشآت والمعامل.

ولكن بمتابعة بسيطة لأوضاع العمال في القطاع الخاص ولظروف العمل التي يعيشها معظمهم، نكتشف العكس، حيث ينعدم الحد الأدنى المطلوب توفره في المنشأة الصناعية من التجهيزات ووسائل الوقاية لحماية العمال، خاصة في المعامل ذات طبيعة العمل والإنتاج الخطرة مثل معامل البلاستيك والدهانات ومعامل النسيج التي تتصاعد الأبخرة والروائح والغبار الناتج عن عمليات النسيج فيها، مما يتسبب بالكثير من الأمراض المهنية، وكذلك إصابات العمل التي تؤدي إلى أضرار فادحة بالعامل قد يفقد فيها قدرته على متابعة العمل، ويحتاج في هذه الحالة إلى متابعة مستمرة في العلاج وهو مكلف، ولا يلتزم به رب العمل إلا في الحدود الدنيا وبعدها يتخلى عن متابعة عملية العلاج.

إن اللافت للنظر في ممارسات الكثير من أرباب العمل هو عدم تحويل العمال المصابين إصابات عمل أو المصابين بأمراض مهنية إلى التأمينات الاجتماعية، من أنه لا يترتب عليهم حسب قانون التأمينات أية التزامات مالية تجاههم، والتأمينات تتكفل بعلاجهم حسب القانون أيضاً طالما العامل مسجل لديها ويدفع رب العمل والعامل حصتيهما من الاشتراكات التأمينية، ولكن الحاصل الآن أن أرباب العمل يمتنعون من تحويل العمال في حالة الإصابة إلى التأمينات، ولا ندري ما هي المبررات في ذلك، وهناك الكثير من الحالات هذه، وبهذا يفقد العامل حقه الكامل في العلاج الذي قد يطول، وأحياناً حقه في معاش دائم حسب درجة الإصابة التي يقررها الطبيب المعتمد من جانب التأمينات الاجتماعية.

إن هذا السلوك غير المبرر يتحمل مسؤوليته رب العمل والتأمينات الاجتماعية وكذلك جهل العامل بحقوقه، حيث أن الكثيرين منهم لا يعرفون عنها شيئاً، وبالتالي تضيع هذه الحقوق في الزحمة، ويخسر العامل الكثير مما قد يساعده على تجاوز محنته الصحية ذات الأسباب المهنية.

إن إصابات العمل الواسعة تشمل القطاعات العمالية كافة وخاصة تلك القطاعات التي لا يشملهم قانون التأمينات الاجتماعية مثل عمال البناء والعتالة وغيرهم من العمال، حيث يتعرضون لإصابات قاتلة أحياناً بسبب طبيعة الأعمال التي يقومون بمزاولتها مثل الوقوف على ارتفاعات عالية، أو استخدام آلات قص الحجر والرخام واستخدام آلات الحفر التي تسبب ارتجاجات في الجسم نتيجتها أثناء العمل لها منعكسات على المدى الطويل من العمل المستمر على هذه الآلات.

لقد برزت على الساحة الآن الكثير من شركات الأعمال الإنشائية، والتي يعمل بها الآلاف من العمال بشكل يومي، ولكنهم غير مشمولين بقانون التأمينات ويقومون بأعمال مجهدة وقاسية وخطيرة في آن معاً، مما يجعل الإصابة بينهم كثيرة، حيث يفقد العامل في هذه الحالة حقه في العمل وحقه في علاج الإصابة، وهذه الفئة من العمال التنظيم النقابي غائب عنهم أيضاً، بل وبعيد عن مشكلاتهم، وبعيد عن تنظيمهم وتشميلهم بالمظلة النقابية، مما يجعلهم عرضة دائمة لانتهاك حقوقهم، بسبب القصور في متابعة أوضاعهم أثناء العمل، وبعد مفتشي العمل عن التأمين عليهم وتأمين حقوقهم في حال إصابتهم أثناء عملهم.. فهل هذا الواقع المأساوي الذي يتعرض له العمال، والذي لا يدخل الجداول الإحصائية للتأمينات ولا في جداول التنسيب للنقابات سيستمر حتى يتحول هذا الواقع إلى أزمة لا يمكن إيجاد حل لها بسبب قصور القوانين عن استيعاب هذه الحالات وضعف همة النقابات عن تنظيمهم؟؟

إن الإحصائيات التي تقدمها التأمينات عن انخفاض إصابات العمل هي في معظمها الإصابات التي تستند إلى العمالة المسجلة في شركات القطاع العام، ولكن القطاع الخاص يتهرب كثيراً من تسجيل العمال المصابين..

إزاء هذه المعضلة الحقيقية التي يخسر فيها العمال حقوقهم، هل تبادر النقابات والتأمينات الاجتماعية لإنصاف المظلومين والحفاظ على حقوقهم في حال إصابتهم أثناء عملهم؟؟