بصراحة: ثقافة العمل الجديدة والدفاع عن القطاع العام
كثيراً ما يُطرح مفهوم ثقافة العمل الجديدة، ويجري التأكيد عليها في المؤتمرات النقابية والاجتماعات باعتبارها ضرورة مُلحّة وعلى العامل الالتزام بها في ظروف التحول الاقتصادي الجاري، وهذه «الثقافة» المُراد من العامل الالتزام بها، هي ما سيجعل شركات ومؤسسات القطاع العام تتجاوز أزماتها وتتخلص من خسائرها المتتالية، وبهذا الطرح يُشتَم رائحة اتهام العمال بالقصور والتخلف عن فهم طبيعة المرحلة التي يمر بها الاقتصاد الوطني، وأن عدم الفهم هذا سيزيد الطين بلّة وسيجعل الأمور تسير باتجاه آخر، وفي هذا تهديد مبطن للعمال أيضاً لأن ما يقال إن الأمور لم تعد كما في السابق حيث كان العامل يأخذ أجره وحوافزه الإنتاجية وطبابته حتى ولو لم يكن يعمل ولا ينتج كما هو مطلوب، كما يتهمون به العمال. إن تلك الأوضاع لن تستمر بعد الآن!!
والسؤال أمام هذا الطرح: كيف استطاع القطاع العام أن يحقق النسبة الأعلى من واردات الدخل الوطني؟ هل مَن حقق تلك الأرباح واستمرار المعامل بإنتاجها في أثناء الحصار الاقتصادي الذي فرضته الدول الإمبريالية على سورية كان بفعل الأشباح أم بفعل جهود العمال وعرقهم الذي تصبب وامتزج بحركة مسننات الآلات التي كانت تدير عمليات الإنتاج؟
إن تأثير الضغط الحكومي على النقابات هو من ولّد تلك الأفكار وجعلها ثقافة يجري الحديث عن ضرورة الالتزام بها، لأن الحكومة وفقاً لبرنامجها الليبرالي الذي يؤكد أن القطاع العام لم يعد هو القائد والسائد في المرحلة الحالية واللاحقة، وأن الاستثمارات والقطاع الخاص هما خشبة الخلاص للاقتصاد السوري، وهما من سيحلان الأزمات المتراكمة، كالبطالة ونسب النمو المنخفضة التي لن تحقق تنمية حقيقية، وإن الطريقة الأنجح لتقزيم القطاع العام والتخلص من مكوناته الأساسية، سيكون عبر الخلاص من عمالته التي أصبحت تشكل عبئاً حقيقياً على الحكومة كما يدعي «أركانها» في كل مناسبة يجري الحديث فيها عن واقع القطاع العام والمشاريع الإصلاحية التي لم تر النور إلا على الورق وفي البيانات الحكومة السنوية.
إن الكثيرين لا يستغربون أن تطرح الحكومة على العمال ثقافة جديدة مفادها تقليص اليد العاملة وتحويلهم إلى خدم، بعد أن كانوا سادة على آلاتهم وخطوط الإنتاج، ولكن المستغرب أن يطرح ذلك بعض القيادات النقابية ويجارون الحكومة بطرحها هذا إلى أبعد الحدود، وبهذا يكون التوافق واضحاً بين الطرفين. وما السكوت عن عدم قيام الحكومة بإصلاح حقيقي للقطاع العام، والموافقة على إفراغ المعامل والشركات من العمال، ونقلهم إلى جهات أخرى لا تمت لعملهم الإنتاجي بصلة تحت دعوى عمالة فائضة، إلا دليل على هذا التوافق الذي لا يعبر عن مصالح الطبقة العاملة، ولا يحقق شعار الدفاع عن القطاع العام باعتباره ما زال، وفقاً لقانون التنظيم النقابي، القائد للاقتصاد الوطني، وأنه ملكية عامة لا يجوز ولا يحق لأحد مهما كان موقعه ومكانته التفريط به، وهذا ما أكد عليه أيضاً الدستور السوري.
فمهمة الدفاع عن الاقتصاد الوطني وعن الطبقة العاملة منوطة بالقوى الوطنية وعلى رأسها النقابات، وهذه المهمة الوطنية التي تعادل مقاومة أي اعتداء خارجي لن تتحقق إلا عبر استنهاض الطبقة العاملة وإشراكها قولاً وفعلاً في هذه المعركة الوطنية الكبرى، لأن قضية الدفاع عن القطاع العام والانتصار بها هي مكون أساسي من مكونات الانتصار على أي عدوان خارجي قد يتعرض له وطننا الغالي، لأن الدفاع عن الوطن ليس فقط بحمل السلاح واستخدام التكنولوجيا العسكرية المتطورة فقط، بل أيضاً بالدفاع عن قلعته الداخلية بأن تكون محصنة وقوية من أي اختراقات قد تضعفها، والدفاع عن القطاع العام والنهوض به هو جزء من حماية هذه القلعة التي ستؤمن المستوى المعيشي اللائق لفقراء شعبنا وفي مقدمتهم الطبقة العاملة وهم الجنود الحقيقيون الذين سيتولون الدفاع عن الوطن حتى تحقيق الانتصار.
إن ثقافة العمل المفترضة هي ثقافة الحفاظ على القطاع العام وتخليصه من ناهبيه ومن يريدونه ضعيفاً لا حول له ولا قوة، وهذا جزء من الاختراق الداخلي لجبهتنا.
فهل نقاوم هذه الثقافة الوافدة مع المشروع الليبرالي حتى ينتصر الوطن؟؟