ILO: رؤية قاصره للقضاء على الفقر؟
عادل ياسين عادل ياسين

ILO: رؤية قاصره للقضاء على الفقر؟

منظمة العمل الدولية (ILO) تأسست عام 1919 بعد الحرب العالمية الأولى مقرها جنيف، تنظم كل عام مؤتمراً للعمل الدولي الذي يضم أطراف الإنتاج الثلاثة «العمال، الحكومات، أصحاب العمل» لنقاش الأوضاع المختلفة المرتبطة بالعملية الإنتاجية، وإصدار التقارير والاتفاقيات التي تصادق عليها الدول الأعضاء في هذه المنظمة.

منظمة العمل الدولية هي إحدى منظمات الأمم المتحدة، وبالتالي فإن قراراتها وسير نقاشاتها المختلفة تكون في معظمها معبرة عن مصلحة القوى الدولية الممولة لهذه المنظمة، في مقدمتها المراكز الرأسمالية الكبرى التي تعمل أن تكون قرارات المنظمة متوافقة مع سياساتها الاقتصادية، وبالتحديد مع السياسات الاقتصادية الليبرالية التي تتوافق معها مواقف الحكومات وأصحاب العمل، ومع هذا لم تستطع المنظمة أن تخفي الواقع الذي وصل إليه العمال من حيث أجورهم ومستوى معيشتهم ومستوى الحريات النقابية، التي يمكن من خلالها أن يدافع العمال عن أجورهم وحقوقهم الأخرى.

توصيف يحابي الأغنياء

جاء في التقرير الذي أصدرته منظمة العمل الدولية حول «القضاء على الفقر حتى عام 2030» والذي فيه تحذير واضح من المخاطر التي تهدد المجتمعات من تفاقم ظاهرة الفقر، وبالتالي إمكانية القضاء على الفقر حتى عام 2030، كما ترى ذلك المنظمة في تقريرها، حيث جاء في التقرير: «أن العجز العالمي في فرص العمل النوعية وتدهور الظروف الاقتصادية في عدد من المناطق يهدد بإلغاء عقود من التقدم في مجال الفقر، علاوة على ذلك فإن النسبي أخذ بالازدياد في الدول المتقدمة» في هذه المقدمة يعرض  لمسببات الفقر كما يراها التقرير، التي هي قلة فرص العمل النوعية والتي كانت متوفرة في مراحل سابقة، أي مرحلة ما قبل تبني السياسات الليبرالية الجديدة، مرحلة الرفاه الاجتماعي التي كانت سائدة في مرحلة من توازن القوى بين المعسكرين الأساسيين، واضطرار القوى الرأسمالية لتقديم تنازلات حقيقية للطبقة العاملة انعكس على مستوى معيشتها وحقوقها الديمقراطية والنقابية، ولكن بعد ذلك تغير واقع حال الطبقة العاملة في المراكز والأطراف بسبب الهجوم الواسع من قبل متبني السياسات الاقتصادية الليبرالية على الحقوق الأساسية للطبقة العاملة، التي عبر عنها بشكل موارب تقرير منظمة العمل وكانت السبب في ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وازدياد في عدد المهمشين.

حلول غير ممكنه

يقول رايموند توريس المستشار الخاص لمنظمة العمل الدولية في المسائل الاجتماعية والاقتصادية: «إن 30% من سكان العالم فقراء، وهم لا يحصلون إلا على 2% فقط من دخل العالم، ولا يمكننا إيجاد حل دائم لظروف المعيشة غير المستقرة، وتحسين أسباب رزق العمال الفقراء وعائلاتهم، إلا بتحسين نوعية فرص عملهم وخلق فرص عمل لائقة جديدة».

من الواضح في الأرقام التي طرحها المستشار، حجم النهب الذي يتعرض له الفقراء في العالم وما هو نصيبهم من الناتج العالمي المقدر بـ 60 ترليون دولار، أي بيد من تتركز الثروة المنهوبة على النطاق العالمي، هنا مكمن الداء «الثروة المنهوبة» التي هي سبب الفقر والبطالة والحروب على الشعوب، سواء الحروب المباشرة أو بالوكالة عبر القوى الفاشية الجديدة، وحل قضية الفقر لا يمكن أن يكون عبر تأمين فرص العمل اللائق للفقراء كما يطرحها تقرير منظمة العمل، بل عبر استعادة الفقراء لثرواتهم المنهوبة بأشكال مختلفة وطرق شيطانية، وإن توفير فرص العمل لا يمكن تحققها بالشكل الذي يتصوره التقرير، لأن الاتجاه الأساسي للرأسمال ليس الإنتاج المولد لفرص العمل، بل المضاربات المالية عبر البورصات وغيرها، المحققة للأرباح الخيالية للمراكز الرأسمالية الكبرى، التي ترفع معدلات الفقر والبطالة بشكل غير مسبوق قياساً بمراحل سابقة، حتى في دول المركز ومنها دول الاتحاد الأوربي.

مراهنات خاسرة

التقرير المقدم من أجل القضاء على الفقر يراهن على دور ما لأصحاب العمل لتأمين فرص العمل اللائق، كطريقه من طرق التخفيف من الفقر، وهذا أمل إبليس بالجنة، لأن أصحاب العمل والحكومات المتبنية لمصالحهم آخر همهم القضاء على الفقر، الذي تأمل منظمة العمل الدولية القضاء عليه وفقاً لرؤيتها غير الواقعية، التي لا ترى بطريقة توزيع الثروة وتمركزها بأيدي القلة القليلة من الرأسماليين مشكلة أساسية في تعاظم قضية الفقر، ولكن الطبقة العاملة ومعظم الفقراء بدؤوا بالتحرك خارج نطاق رؤية منظمة العمل في حل قضية فقرهم، عبر العودة إلى الشارع من خلال الإضرابات والمظاهرات واسعة النطاق، شملت معظم دول الاتحاد الأوربي، مثل إضرابات العمال في فرنسا من أجل اسقاط قانون العمل الجديد، حيث ضمت المظاهرات اتحادات عمالية في القطاعات المختلفة المؤثرة اقتصادياً وسياسياً، وكذلك إضرابات عمال بلجيكا واليونان في مواجهة الإجراءات الحكومية التي فرضت من خلالها ضرائب كبيرة على العمال والفقراء، وكان الشعار الرئيسي للعمال في حراكهم الإضرابي هو ضد الخصخصة.

الحل الممكن

إن الطبقة العاملة تشق طريقها الكفاحي استناداً لموازين القوى المتكونة، وانفتاح الأفق أمامها من أجل استعادة حقوقها المنهوبة، وفي مقدمتها الثروة المنهوبة، وهو الطريق الوحيد للخلاص من الفقر والبطالة والقوى الفاشية الجديدة، وإن الموقف الإصلاحي المحابي للقوى الرأسمالية، من قبل منظمة العمل الدولية والموقف الخجول لممثلي العمال من تلك القضايا المطروحة، سوف لن يجعل هناك حلاً حقيقياً لتفاقم ظاهرة الفقر، والحل الوحيد هو مواجهة تلك القوى الناهبة للثروة عبر تنظيم أعلى لقوى الطبقة العاملة يمكنها من تحقيق برنامجها الاقتصادي الاجتماعي.