أرقام نمو مضللة وسوء في توزيع الدخل
على الرغم من إشارته لبعض القضايا والنقاط المهمة في الاقتصاد السوري، فإن التقرير الاقتصادي المقدم ضمن التقرير العام للاتحاد العام لنقابات العمال في اجتماع المجلس العام لم يرتق لمستوى الطموح والحدث، لا بل يمكن القول إنه لم يرتق لقوة التقرير الاقتصادي الذي قدمه اتحاد عمال دمشق لمؤتمره السنوي، والذي لخص وتناول أمراض الاقتصاد السوري بأرقام وإحصاءات دقيقة،
كشفت زيف بعض الأرقام التي قدمها الفريق الاقتصادي، لكن مع كل ذلك فمن الأهمية بمكان الإشارة لبعض النقاط في التقرير الذي يقول إن «التقديرات الأولية التي قام بها الاتحاد العام لنقابات العمال تشير إلى أن النمو الاقتصادي في سورية قد بلغ في عام 2010 بحدود 3.7% بالأسعار الثابتة، و6.4% بالأسعار الجارية، فيما أشارت أرقام صندوق النقد الدولي إلى معدل نمو 5% في عام 2010 بالأسعار الثابتة».
وأكد التقرير أنه «يترافق مع تواضع أرقام النمو الاقتصادي، استمرار سوء توزيع الدخل الناتج عن هذا النمو. بمعنى أن المواطن السوري لم يلمس بشكل حقيقي نتائج النمو الاقتصادي خلال عامي 2010 و2011، في ظل استمرار تركز نتائج النمو بين أيدي فئة قليلة من رجال الأعمال والمحتكرين، وخاصة في قطاع الخدمات والاتصالات، وقطاع تجارة العقارات والمصارف والتأمين».
وأشار معدو التقرير إلى إن «عدم القدرة على تحقيق معدل النمو الاقتصادي المستهدف 7%، يعني في النهاية عدم القدرة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على تحقيق أكثر الأهداف الكمية الأخرى في الخطة، مثل معدلات الاستثمار، الادخار، التشغيل، التضخم، الإنتاج وغيرها».
وفي تناوله لقضية التضخم في الاقتصاد السوري نوه التقرير إلى أنه «رغم الاختلاف بين التقديرات المختلفة لأرقام التضخم، فإن الأسواق السورية قد شهدت خلال الأعوام السابقة ارتفاعات في الأسعار غير مبررة اقتصادياً، ومردها إلى عوامل الاحتكار التي تمارَس بصورة تختفي معها إجراءات الشفافية وأدوات دعم المنافسة ومنع الاحتكار عبر مؤسسة لم نشهد لها أي دور فاعل في هذا الإطار، وفي ظل غياب صارخ لدور مديريات وجمعيات حماية المستهلك التي بقيت تدور في فلك الصفقات المشبوهة، في غالب الأحيان، بين المراقبين والتجار».
وأكد التقرير أنه «وتبعاً للنتائج الأولية لمسح دخل ونفقات الأسرة لعام 2009، فإن متوسط إنفاق الأسرة السورية وصل إلى 30.9 ألف ليرة سورية شهرياً، وبالتالي فإن الإجمالي المتوقع لما تنفقه الأُسَر السورية شهرياً يصل إلى نحو 111.3 مليار ليرة سورية، هذا إذا اعتبرنا أن عدد الأُسَر السورية تبعاً للتقديرات الرسمية يبلغ نحو 3.612 ملايين عائلة، والسؤال هو: هل كتلة الأجور والرواتب تكفي لتلبية هذا الإنفاق أو مساوية له؟!».
وفي مسح قوة العمل للنصف الأول من العام الحالي، بين التقرير أن «هناك 3.205 ملايين عامل سوري يعملون بأجر، مشكلين بذلك نسبة قدرها 62.7% من إجمالي عدد المشتغلين، كما يشير المسح إلى أن متوسط الأجر الشهري يبلغ نحو 11315 ليرة سورية، وهذا يعني أن كتلة الرواتب الشهرية لشريحة من يعلمون بأجر تقدر بنحو 36.271 مليار ليرة سورية، لتكون هناك فجوة بين ما تنفقه الأُسَر السورية وما يحصل عليه 62% من المشتغلين تقدر قيمتها بنحو 103 مليارات ليرة سورية. وهو الأمر الذي يحتاج إلى تفسير منطقي لمصادر تمويل هذه الفجوة».
ويرى الاتحاد العام لنقابات العمال أنه «لابد من إعادة النظر بالخطة الخمسية الحادية عشرة لكي تتناسب مع المشروع الإصلاحي الشامل الذي بدأت ملامحه ترتسم من خلال الإجراءات والتشريعات التي صدرت مؤخراً، وبما يلبي تطلعات وحاجات الشارع السوري، ولاسيما الطبقة العاملة».
ومن أهم ما جاء في هذه الرؤية ما يلي:
1ـ التأكيد على أن القطاع المنتج للسلع المادية، ولاسيما قطاعي الزراعة والصناعة، هو القطاع الرائد والقاطر للنمو الاقتصادي، والحامل لمعالجة مشكلات الاقتصاد السوري.
2ـ إن هدف النمو تحسين شروط إنتاج التراكم اللازم لمقابلة متطلبات أهدافه التوزيعية الاجتماعية.
3ـ إن المتغيرات الاجتماعية (الصحة والتعليم واستهداف الفقر وزيادة معدلات التشغيل ومكافحة البطالة) هي ركائز أي سياسة اقتصادية، سواء كانت كلية (مالية، نقدية، تجارية، خارجية) أو كانت قطاعية (الصناعة، الزراعة، البناء والتشييد) وعليها تُبنى خطط الإصلاح.
4ـ تطوير وتحسين استخدام أدوات السياسة النقدية (الفائدة وسعر الصرف) والحفاظ على القيمة الشرائية لليرة السورية، وحل المشكلات المالية والتمويلية التي تقف عقبة حقيقية في وجه إصلاحه وتطويره.
5ـ منح الإدارات في المؤسسات العامة من القطاع الصناعي كل الصلاحيات التي تمكِّنها من اتخاذ القرارات الاستثمارية والتمويلية والتجارية والتسويقية والتطويرية والتشغيلية، بما يؤدي إلى زيادة قدرتها التنافسية وزيادة معدلات ربحيتها، أو التقليل من خسائرها.
أما في مجال القطاع العام وخاصة القطاع العام الصناعي، فقد رأى التقرير أنه لا بد من:
1ـ إسقاط كل الأصوات المنادية بإنهاء دور هذا القطاع، فنحن لا ننكر الصعوبات الهائلة التي يعانيها، ولكننا نرفض أن نضعه كاملاً في بوتقة واحدة، فإذا أيقنّا أن القطاع الصناعي العام هو شخص مريض، فإننا نرفض الأصوات المنادية بإطلاق رصاصة الرحمة عليه، وتركه لقمة سائغة لعمليات الخصخصة العشوائية وتخصيص أموال الحكومة وتحويلها لجيوب زمرة من الاحتكاريين، هدفهم الأساسي تحقيق الأرباح وتكديس الثروات.
2ـ التوقف عن إجراءات الخصخصة في سورية بكل أشكالها، مدفوعين بذلك لأسباب اقتصادية وسياسية واجتماعية.
3ـ وفي النهاية فإننا نؤكد على ضرورة الإبقاء على القطاع العام ودعمه ومحاولة إصلاحه، وعدم الرضوخ للضغوطات وأصحاب المصالح المنادية بإنهاء دوره الفعال خدمة لمصلحتهم أو طمعاً في الحصول على ترِكته الوفيرة، مؤكدين على أن القطاع العام ودوره أكبر من أن تتم مناقشته وتقييمه على ضوء مردوداته المالية فقط، فهو مسألة أكبر من أن يناط إلى الإداريين أو رجال الأعمال لصياغة واقعه ومستقبله. بل يتعدى ذلك إلى كون تقرير مصيره مسألة تأخذ أبعاداً سياسية واقتصادية ـ اجتماعية غاية في الدقة، وأن التخلص منه والتوقف عن قصد عن دعمه سوف يؤدي إلى تهشيم الحامل الاقتصادي للدولة السورية.