أجنبيّان في شينجيانغ الصينية: هذا ما شاهدناه من حياة «الإيغور»
تحت عنوان «رجلان أجنبيان يدخلان صالون حلاقة في شينجيانغ» كتب الصحفي البرازيلي والمحلل السياسي بيبي إسكوبار، عن جولة قام بها مؤخراً مع أحد أصدقائه في إقليم شينجيانغ الذاتي الحكم في الصين.
تعريب وإعداد: ياسمين دمشقي
في البداية من المفيد التذكير بالأهمية الاستراتيجية لإقليم شينجيانغ الويغوري الذاتي الحكم، والتي تفسّر جزئيّاً اهتمام الدعاية الغربية في اختلاق الروايات وإثارة الفتن والمبالغات حوله. يقع هذا الإقليم في أقصى غرب الصين، ويتمتع بحكم ذاتي وهو جزء من التقسيم الإداري الأول في البلاد. تأسست المنطقة في عام 1955، وتبلغ مساحتها حوالي 1.66 مليون كيلومتر مربع، مما يجعلها واحدة من أكبر الأقاليم الصينية من حيث المساحة. ويتميز الإقليم بموقعه الاستراتيجي كبوابة تجارية بين شرق آسيا ووسطها وجنوبها، وتحدّه ثماني دول منها كازاخستان وأفغانستان وطاجيكستان.
يروي إسكوبار وصاحبُه: على طريق الحرير الجنوبي - نحن على الطريق في جنوب شينجيانغ، بعد رحلة شاقة ذهاباً وإياباً في تاكلامكان، عبر الكثبان الرملية، لزيارة «القبيلة المفقودة» وقرية داليابيوي، في قلب الصحراء، ثم نعود إلى فندقنا العصريّ الرائع في واحة يوتيان. إنه منتصف الليل الآن، وقد انتهينا للتوّ من وليمة الطعام الأويغوري الشهيرة، ولم يتبقَّ لنا سوى شيء واحد: الحلاقة.
من مزايا السفر في شينجيانغ لتصوير فيلم وثائقي بدعم من فريق إنتاج أويغوري متميّز - بمن فيهم سائقون - أنهم يعرفون كلَّ شيء. يقول أحد السائقين: «لا مشكلة، يوجد صالون حلاقة على الجانب الآخر من الشارع». في الواقع، إنه شارع يتلألأ عند منتصف الليل. المحلات لا تزال مفتوحة. الحياة مستمرة كالمعتاد في أويغورستان.
مع صديقي كارل زها، عبرنا الشارع وتوجهنا إلى صالون الحلاقة فقط للانغماس في تجربة رائعة من الحياة (الأويغورية)، بفضل حلّاقين شابَّين ومساعدهما، وهو طفل أنيق يستمتع بلعبة فيديو على هاتفه الذكي ويبدو أنه يعرف كلَّ شيء عن المنطقة.
يُخبروننا بكل شيء عن روتينهم اليومي، وسير أعمالهم، وتكاليف المعيشة، والرياضة، والحياة في الواحة، وملاحقة الفتيات، وتوقعاتهم للمستقبل. لا، ليسوا لاجئين من معسكرات الاعتقال. ولا عبيداً تحت وطأة العمل القسري. ساعة ونصف معهم، وستحصل على درجة الدكتوراه في الدراسات الاجتماعية الأويغورية، مباشرةً. مع ميزة إضافية وهي الحصول على قصَّة شعر (كارل) وحلاقة ذقني (أنا) بأقل من 10 دولارات في الواحدة صباحاً.
كنا مستعدين لليوم التالي على الطريق، حيث أكملنا رسمياً رحلة طريق الحرير الثلاثية: الحرير واليشم والسجاد، حيث نشاهد كيف تُصنع في واحة خوتان الأسطورية منذ قرون.
يقول إسكوبار ساخراً: على طول طريق الحرير الشمالي، كنا نبحث بلا انقطاع عن عبيد العمل ومعسكرات الاعتقال، لكي نُبلغ عنها أجهزة الاستخبارات الغربية. ثم، في طريقنا من كوتشا إلى أكسو، رصدنا سيّدة بين حقول القطن المترامية الأطراف.
بدأنا بالدردشة، وسرعان ما اكتشفنا أنها لم تكن تجمع القطن، بل كانت في الواقع تُمهّد الطريق في مزرعة القطن لآلةٍ لكي تدور ثم تبدأ بجمع القطن بطريقةٍ مُؤتمَتة. أخبرتنا كل شيء عن حياتها اليومية؛ كانت من الأويغور المحلّيين، تعمل في حقول القطن الخاصة هذه لما يقرب من عقدين من الزمن، تعيش مع عائلتها براتبٍ جيد. لم ترَ في حياتها معسكر عملٍ قسري أو اعتقال.
لقد تمت دعوتنا إلى منازلهم الواسعة ذات الساحات الكبيرة والعنب المزروع على السطح؛ وذهبنا إلى حفلتي زفاف، واحدة بسيطة نسبياً في فندق أربع نجوم، والأخرى أشبه بإنتاج بوليوودي في أفضل مطعم في كاشغر.
تحدثنا إلى الحلّاقين والخبازين وتجار البازار ورجال وسيدات الأعمال. تذوقنا مأكولاتهم الشهية بشغف؛ نعم، يكمن معنى الحياة في طبق «لغمان» المثالي، مع خبز النان كطبق جانبي.
على طريق الحرير القديم
هذا يقودنا إلى بعض الجوانب الجيواستراتيجية والجيواقتصادية المثيرة للاهتمام فيما يتصل بطريق الحرير القديم. قليلٌ جداً من الناس، باستثناء كبار العلماء والمخططين الاقتصاديين حول شي جين بينغ، يعلمون أنّ اللاعب الرئيسي في اقتصاد طريق الحرير، وخاصةً خلال عهد أسرة تانغ، من القرن السابع إلى القرن العاشر، كان أسرة تانغ نفسها. كان الأمر، قبل كل شيء، يتعلق بتمويل «المناطق الغربية» آنذاك في مواجهة عسكرية جادّة ضد الأتراك الغربيين.
كان هناك تبادلٌ مستمرٌّ للغزوات والخسائر. على سبيل المثال، خسرت سلالة تانغ واحة كوتشا بالغة الأهمية أمام التبتيين بين عامي 670م و692م. وكانت النتيجة: زيادة الإنفاق العسكري. في عام 740، أرسلت سلالة تانغ ما لا يقل عن 900 ألف خيط حريري سنوياً إلى أربعة مقرات عسكرية في المناطق الغربية: هامي، وتورفان، وبيتينغ، وكوتشا (جميعها واحاتٌ رئيسية على طريق الحرير). وهذا يُشير إلى دعم الاقتصاد المحلي.
تُخبرنا بعض التواريخ كيف تغير السيناريو الجيوستراتيجي باستمرار. لنبدأ بأوائل القرن التاسع، عندما بدأ الأويغور فعلياً حكم تورفان. في ذلك الوقت، التقى الكاغان الأويغوري بمعلم من «صغديانا» - الأراضي المحيطة بسمرقند - عرّفه على المانوية، الديانة الآسِرة التي أسسها ماني في بلاد فارس في القرن الثالث، والتي تنص على أن قوى النور والظلام تتصارع باستمرار للسيطرة على الكون.
ثم اتخذ كاغان الأويغور قراراً مصيرياً؛ فلقد اعتنق المانوية وسجَّلها في لوح حجري ثلاثي اللغات (الصغدية والأويغورية والصينية).
المسيرة الطويلة من البوذية إلى الحكم الذاتي
كانت الإمبراطورية التبتية قويةً جداً في أواخر القرن الثامن. في ثمانينيات القرن الثامن، انتقلوا إلى قانسو، وفي عام 792م غزوا تورفان. في عام م803، استعاد الأويغور تورفان. لكن الأويغور الذين كانوا لا يزالون يعيشون في منغوليا هُزموا على يد القرغيز عام 840م، وانتهى الأمر ببعضهم في تورفان، وأسسوا دولةً جديدة: خانات الأويغور، وعاصمتها مدينة غاوتشانغ، التي سعدتُ بزيارتها أخيراً.
حينها فقط، أصبحت تورفان أويغورية، مستخدمةً اللغة الأويغورية، لا الصينية، في التجارة. واستمر ذلك لقرون. كان الاقتصاد يعتمد بشكل كبير على المقايضة، حيث حلّ القطن محلّ الحرير كعملة. دينياً، في عهد سلالة تانغ، كان سكان تورفان مزيجاً من البوذيين والطاويين والزرادشتيين، وحتى المسيحيين والمانويين. في أوائل القرن العشرين، عثر علماء آثار ألمان على كنيسة صغيرة، كدليل على المسيحية الشرقية، يعود مقرها إلى بلاد الرافدين، وكانت السريانية لغة طقوسها، خارج الأسوار الشرقية لغاوتشانغ.
وهكذا، أصبحت المانوية لفترة من الزمن الديانة الرسمية للدولة الكاخانية الأويغورية. كان فنُّهم استثنائياً للغاية. ومع ذلك، لم يبقَ سوى لوحة كهفية مانوية واحدة - في كهوف بيزكليك الخلابة. دَفعتُ 500 يوان لشرف رؤيتها، بمساعدة باحث أويغوري شاب واسع الاطلاع.
يعود سبب اختفاء الجداريات الفنية المانوية إلى أنَّ خاقانية الأويغور قررت في عام 1000م اعتناق البوذية بالكامل، متخلّيةً عن المانوية.
سياسياً، استمرّ التناحر والتبادل دون هوادة: وهذا تاريخٌ أصيلٌ لطريق الحرير. في عام 1209م، هزم المغول خاقانية الأويغور في تورفان، لكنهم تركوا الأويغور وشأنهم. في عام 1275، تحالف الأويغور مع قوبلاي خان الأسطوري. لكنّ الفلاحين المتمردين أطاحوا بالسلام المغولي وأسّسوا سلالة مينغ في القرن الرابع عشر: لكن تورفان، بشكلٍ ملحوظ، بقيت خارج حدود الصين.
دخول الإسلام
تاريخٌ حاسمٌ هو عام 1383م: فتح شيدر خوجا، المسلم، تورفان وأجبر الجميع على اعتناق الإسلام، وهذا لا يزال قائماً حتى اليوم. ظاهرياً على الأقل: عندما تسأل سكان بلدات الواحات في شينجيانغ إن كانوا مسلمين، فإنّ الكثيرين، وبشكل مؤدّب، يرفضون الإجابة. يبقى الماضي البوذي في اللاوعي الجماعي ظاهرياً، في أطلال غاوتشانغ الرائعة.
ظلت شينجيانغ، في جوهرها، مستقلّة عن الصين حتى عام 1756، عندما سيطرت عليها جيوش سلالة تشينغ. خلال رحلتنا الشهر الماضي، كنا في منتصف الذكرى السبعين لتأسيس منطقة شينجيانغ الأويغورية الذاتية الحكم. كانت شينجيانغ بأكملها مغلفة بأعلام حمراء ولافتات تحمل الرقم 70.
هذا هو مستقبل «المناطق الغربية» السابقة: كمركز جيوستراتيجي غني بالطاقة، ومتعدد الثقافات والأديان، ومركز طريق الحرير الجديد للصين «المزدهرة بشكل معتدل».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1249
بيبي إسكوبار