الأحزاب السياسية خلال الثورة السورية الكبرى /2/
نشطت الأحزاب السياسية عشية الثورة السورية الكبرى وخلال معاركها 1925-1927، واختلفت البرامج التي ناضلت الأحزاب من أجلها باختلاف مواقعهم الاقتصادية والاجتماعية.
حزب الاتحاد السوري
تأسس حزب الاتحاد السوري عام 1918 من أعضاء حزب اللامركزية المؤسس في القاهرة عام 1912، وكان حزب اللامركزية يدعو إلى اللامركزية العثمانية والحصول على الاستقلال الذاتي لسورية ضمن الإمبراطورية العثمانية تحت إشراف المستشارين الأوروبيين.
وبعد احتلال سورية على يد الاستعمار الفرنسي، هرب القسم الأكبر من الحزب إلى القاهرة وركز نشاطه بشكل رئيسي في الساحة المصرية، وبالإضافة إلى حزب الشعب السوري وحزب الاستقلال العربي، كان حزب الاتحاد السوري أحد الأحزاب البرجوازية الوطنية الرئيسية.
ترأس حزب الاتحاد السوري الأمير ميشيل لطف الله، وكان حزب الاتحاد السوري من أنشط الأحزاب السورية في أوروبا عبر إذاعة البيانات وكتابة المقالات وإرسال الوفود إلى عصبة الأمم. وكان حزب الاتحاد السوري يقود المؤتمر السوري الفلسطيني منذ عام 1921 وفعاليات إغاثة المنكوبين السوريين في القاهرة منذ عام 1925. وكان الأمير ميشيل لطف الله على اتصال مع أوساط الرأي العام المصري والقيادات المصرية.
الحزب الملكي الهاشمي
لا يوجد حزب بهذا الاسم، وأقصد به أصحاب الدعوة إلى عودة الملكية إلى سورية، أي البرنامج السياسي والطبقي للملك فيصل وأنصاره.
في الحقيقة لعب الملك فيصل من العراق دور «الحزب الملكي» أثناء الثورة السورية الكبرى سنوات 1925-1927. فهو قد تخاذل عندما كان ملكاً على سورية، وقبل إنذار غورو الاستعماري عام 1920.
وبعد احتلال سورية، غادر فيصل إلى العراق، وهناك تعاون مع الاستعمار البريطاني، فنصبه المستعمرون ملكاً على العراق. وكان فيصل يعني الشريف حسين في الحجار والأمير عبد الله في شرق الأردن، أي الهاشميون المتعاونون مع الاستعمار البريطاني ومع بدايات المشروع الصهيوني.
بعد اشتعال الثورة السورية، نشط فيصل في العراق من أجل إحياء الملكية في سورية، وكان يتطلع إلى تحقيق الوحدة العراقية السورية تحت التاج الهاشمي وتنصيب فيصل أو أخيه عليّ ملكاً على سورية، وكان فيصل يسعى إلى تجنب الصدام مع الفرنسيين، بل إيجاد نوع من التفاهم معهم، رغم اتهام الأخيرين له بالتدخل في شؤون سورية.
وهكذا بدأ فيصل يشرح أبعاد القضية السورية في المحافل الدولية والدبلوماسية، فطالب باستقلال سورية، وتحديد العلاقة بين الأخيرة وفرنسا وفق ما حدث بين العراق وبريطانيا، أي الاستقلال مع إبقاء الاستعمار!
وكان عدد من ممثلي البرجوازية السورية يؤيدون فيصل في مسعاه، فسافر إلى باريس في تشرين الأول 1925، واقترح على الفرنسيين تأسيس حكم ملكي في سورية كما هي الحال في العراق، وقيام جمعية وطنية تسنّ دستوراً للبلاد، ووزارة تكون مسؤولة أمام المجلس النيابي. كما كان فيصل يراسل وزارة الخارجية البريطانية ووزارة المستعمرات عام 1926 مبدياً اهتمامه بسورية، فرفض الإنكليز طلبه.
وهذا ملخّص للبرنامج السياسي والطبقي الذي مثله الملك فيصل والهاشميون في موقفهم من الثورة السورية الكبرى.
حزب الهنشاك الأرمني
كان حزب الهنشاك الاشتراكي الديمقراطي الأرمني واحداً من الأحزاب السياسية العاملة في صفوف الجماهير الأرمنية في سورية ولبنان خلال عشرينات القرن الماضي. ونشأ في صفوف حزب الهنشاك تياران بتأثير نشاط الحزب الشيوعي ودوره في الثورة السورية الكبرى، ونضاله الطبقي في صفوف العمال وأبناء المدن.
وكان سركيس دخروني- رئيس التحرير والمحرّر الوحيد لجريدة سورياكان مامول (الصحيفة السورية). وهي المطبوعة اليومية الصادرة عن حزب الهنشاك في حلب- منعزلاً في الجريدة في أعقاب مناقشات وخلافات حادة دارت بينه وبين آغاوات حزب الهنشاك، وفي الواقع، كان دخروني يخوض معركته معهم من خلال موقعه الصلب في جريدة «سورياكان مامول»، ومن خلال قاعة المحاضرات التابعة لمديرية كيليكيان الأرمنية، حيث كان يلقي محاضرة وطنية حماسية كل نهار أحد دفاعاً عن أرمينيا والاتحاد السوفييتي، متهجماً على حزب الطاشناك لأنه ضد أرمينيا وضد الاتحاد السوفييتي. وكان دخروني مدعوماً من الشباب داخل حزب الهنشاك، لكنه لم يستطع تغيير الواقع وأصبح معزولاً. لذلك فكّر في ترك الجريدة والعمل في وظيفة مكتبية، وقدّم طلباً إلى إدارة مؤسسة سكّة الحديد.
تواصل دخروني مع المعتقلين الشيوعيين في منافي الرقة بسبب مشاركتهم في الثورة. وكان يرسل البريد والكتب للرفاق من حلب ويساعد في توزيع نشرة سبارتاك التي أصدرها الرفاق المنفيون في الرقة، فتعرض للاعتقال والنفي إلى قلعة القدموس ثم إلى الرقة مع الشيوعيين.
حزب سورية الجديدة
انعقد المؤتمر الثاني لحزب سورية الجديدة في فندق ستاتلر بمدينة ديترويت في ولاية ميشيغان يوم ٢٧ يناير (كانون الثاني) ١٩٢٧. ونشرت أمريكان كومرشيال فوتو في ديترويت صورة للمؤتمر وجدناها بين أرشيف محمد علي الطاهر صاحب جريدة «الشورى».
كان حزب سورية الجديدة يمثل المهاجرين السوريين في أمريكا، ومن خلال ما نشر عن الحزب والمؤتمر السوري العام في أمريكا الذي عقد في ديترويت، والشخصيات التي حضرت المؤتمر، يتبين أن قادة هذا الحزب هم ممثلو الجاليات السورية في المدن الأمريكية.
كما كان الحزب متصلاً بالبرجوازية السورية والحركة الوطنية. وله فروع تحمل أسماء شهداء أو قادة الثورة السورية الكبرى. على سبيل المثال: فرع الحزب في سانت بول مينيسوتا يدعى فرع زيد الأطرش، وفرع الحزب في ديترويت يدعى فرع رشيد طليع، وفرع الحزب في برينستون ويست فيرجينيا يدعى فرع أحمد مريود، وفرع الحزب في كنتكت يدعى فرع سلطان باشا الأطرش، وكذلك فرع يوسف العظمة في كنتاكي، فرع حسن الخراط في بيوت مونتانا وغير ذلك.
وكان الحزب يحظى بدعم الأوساط الأمريكية الحاكمة مثل حاكم نيويورك وغيره بقصد منافسة الفرنسيين على المستعمرات الشرقية. حيث أراد الأمريكيون استغلال الثورة السورية الكبرى لصالحهم كما أرادوا استغلال قمع الثورة لصالحهم.
فالسلطات الأمريكية كانت تسمح بالنشاط السوري من جهة، وتمثل ذلك بالمؤتمر السوري العام في أمريكا والسماح أيضاً بنشاط حزب سورية الجديدة. ومن جهة أخرى، قدم الأمريكيون المساندة والمعونة العسكرية للإمبريالية الفرنسية في قمع الثورة السورية، فأرسلت بارجتين حربيتين إلى بيروت بحجّة حماية الرعايا الأمريكيين هناك. لكن الهدف الفعلي لهذه المناورات، كان منع وصول الثوّار إلى الساحل اللبناني.
ولاك شك أنّ هناك وطنيين بين المهاجرين السوريين في أمريكا، وموقف المهاجرين السوريين في أمريكا لا علاقة له بموقف الأمريكان المخادع تاريخياً. كما كان بينهم من يصطاد في الماء العكر.
الأحزاب المتعاونة مع الاستعمار
أنشأ رجال الحكومة السورية حزب الوحدة الحكومي. وقد وجدوا فريقاً كبيراً من المداهنين والمتملقين مستعداً لمناصرتهم طمعاً بما عندهم من المال والمنصب، أو خوفاً من بطشهم، وكان أول من التحق بفرقتهم موظفي الحكومة كلهم ما عدا نفراً قليلاً منهم، وأجبروا الملتحقين على حلف يمين الطاعة والإخلاص.
وكان حزب الوحدة يجبر البسطاء على الانتساب بالتهديد والوعيد وأساليب القوة والإجبار. ومن جهة أخرى، يمثل هذا الحزب، نموذجاً للأحزاب السياسية البرجوازية المتعاونة مع الاستعمار الفرنسي. وفي العام 1928 كان هناك أكثر من 25 حزباً سياسياً متعاوناً مع الاستعمار في سورية ولبنان.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1042