أخبار الحوادث: الحياة كما لا يجب أن تكون
رجلٌ يقتل أخاه من أجل خلافٍ على مساحة لرعي الأغنام. وزوجة تتعمد إغراق شقة زوجها بالبنزين وإضرام النار فيه وبزوجته الثانية وأولاده إثر «خلاف عائلي». زوجٌ آخر يقتل زوجته لأنها رفضت الذهاب بصحبة أمه لحضور أحد الأعراس، وهناك أيضاً رجل يقتل عشيقته ويفضل تقطيع جسدها وتوزيعه في حاويات الزبالة ويستقل من أجل إتمام المهمة سيارة تكسي.
تلك بعضٌ من الأخبار المقلقة التي باتت تطالعنا في صفحات الحوادث في الجرائد أو على مواقع التواصل الاجتماعي. لا يمكن القول بالطبع إن جرائم القتل أمرٌ جديد أو طارئ على المجتمع السوري، فمثله مثل أي مجتمع آخر كان هناك دائماً أخبارٌ من هذا النوع. لكن رغم ذلك، فالأرقام والإحصائيات التي تشير إلى ارتفاع منسوب الجريمة في المجتمع، في محافظات مثل اللاذقية وطرطوس والسويداء وريف دمشق تبعث على القلق. وفي الوقت الذي لا يكون من المستغرب ارتفاع تلك الجرائم المرتبطة بالفلتان الأمني، والتي تنفذها عصابات متمرسة أو مسلّحة يبقى الأمر مختلفاً فيما يتعلق بالجرائم التي تصنّف تحت مسمى العنف المنزلي التي تحصل بين أخوة وأزواج وأفراد عائلة واحدة.
غواية قراءة صفحة الحوادث
تمتلك صفحة الحوادث خصوصية مبهمة عصيّة على التفسير، بحيث ينقّب الكثيرون في أخبارٍ من هذا النوع لمعرفة ملابسات جرائم جديدة حصلت في مدنهم أو أحيائهم. كما لو أن هناك أسئلة تحرّكهم؛ ما هي ملامح الشخص المجرم السوري وكيف يختلف عن المجرم الذي نراه في أفلام هوليود؟ لماذا يرتكب الناس جريمة قتل؟ ما هي دوافعهم؟ كيف يرتكبونها؟ بماذا يشعرون وهم يقتلون نفساً بشرية، خاصة وإن كانت الضحية شخصاً عرفوه. لكن الأخبار المنشورة قلما تقّدم إجابات من هذا النوع، فمتن الخبر عادة ما يتألف من عبارات مقتضبة خالية من الانفعالات، لكنها جميعها تؤكد حقيقة أن الناس باتت اليوم ترتكب جريمة قتل لأسباب لا تخطر على بال، بعضها قد يبدو واهيّاً ولا يستحق حتى افتعال شجارٍ من أجله. وهذا النوع من الجرائم هو ما يزداد اليوم في المجتمع السوري.
لطالما شغلت الذهنية الإجرامية علماء النفس الذين اهتموا بسؤال «لماذا يقتل الناس؟». عبر إجراء مقابلات معمّقة في بلدان مختلفة مع عدد كبير من المجرمين، وتحديداً القتلة المتسلسلين، توصّل الباحثون إلى وضع خانات مختلفة يمكن تصنيف المجرمين بناءً عليها. فهناك مثلاً القَتَلة المتبصرون الذين يقتلون استجابة لرؤى أو أوامر يتلقونها من قوى علوية كالآلهة والملائكة وتكون ضحاياهم عشوائية، وقد لا تجمعهم بها أية صلة. وهناك نوع آخر من القَتَلة المتسلسلين الذين يستهدفون فئات محددة اثنية أو عرقية، وآخرون يطلق عليهم اسم «قَتَلة اللذة» الذي يحقق لهم فعل القتل متعةً جنسيةً خاصة. هناك أيضاً القَتَلة الذين يستمتعون بموقع المسيطر أو صاحب القوة، وهؤلاء تحديداً يجدون لذتهم في فكرة كونهم قادرين على تحديد موعد وكيفية موت ضحيتهم. ونجد أيضاً نوعاً من القَتَلة المنظمين الذين يستمتعون بفكرة التخطيط للقتل وكل التفاصيل التي تسبق العملية وتليها، وفي المقابل هناك على النقيض قَتَلة غير منظمين يرتكبون الكثير من الأخطاء التي تسهّل على الشرطة فيما بعد مهمة اقتفاء أثرهم. لكن رغم كل هذه التصنيفات والدراسات ما زالت الدوافع التي تحوّل الشخص إلى مجرم قادر على القتل غامضة وغير محددة، رغم وجود بعض الخصائص المرتبطة بالطفولة والوضع الاقتصادي وتجارب قاسية خاصة، والتي لعبت دورها في عملية التحوّل إلى الفعل الإجرامي.
زمن الجريمة السهلة
تحظى جرائم الشرف باهتمام خاص في سورية، وتقابل كل جريمة قتل للنساء من هذا النوع بموجات غضب شديدة، في حين يتم تغطيتها إعلامياً والاهتمام بتوثيقها وإدانتها. لكن وللحقيقة جرائم الشرف ورغم بشاعتها قد تكون أكثر أشكال الجرائم وضوحاً ولها جذورها في الإرث الاجتماعي والثقافي، لكن هناك جرائم أخرى تستحق غضباً لا يقل استعاراً، وهي تلك التي تستهدف الجميع نساءً ورجالاً وأطفالاً وتشي بتغيّر منظومة القيم التي كانت في السابق تردع السلوك الإجرامي، وتحدد معايير الصواب والخطأ وأنماط العلاقات بين الأفراد.
في الجرائم التي تنشر أخبارها على الصفحات الرسمية الخاصة بوزارة الداخلية السورية تستوقفنا درجة الاستسهال في الإقدام على ارتكاب جريمة قتل. فقبل يومين فقط نشرت الوزارة خبراً عن إلقاء فرع الأمن الجنائي في محافظة القنيطرة القبض على حفيد قام بقتل جدته للحصول على أموالها. اللافت في القصة هي الطريقة التي يروي بها الحفيد القصة، ووصفه لقيامه بخنق جدته التي انتهت لتوها من أداء الصلاة وجلست إلى جانبه كي تنصحه بتغيير نمط حياته وإيجاد عمل لائق. بعد كل اعتبار لم يجد الحفيد بحوزة جدته سوى 15 ألف ليرة سورية، وهو الذي ظنّ بأن ثروتها أكبر من ذلك. وهنا لا يسع المرء في حوادث مثل هذه سوى تخيّل المشاهد كما لو أنه يشاهد فيلماً.
مكمن الخطورة في هذا النوع من الأخبار يرجع إلى كونها تعبث بعقولنا وتصوراتنا عن العلاقات الاجتماعية والشخصية التي قد تجمع الجد بحفيده أو الأب بطفلته. بحيث يسأل المرء نفسه عن كم التشوّه الذي لحق بالمجتمع والعائلة وكم التطبيع الذي يتم تكريسه مع فكرة القتل نفسها. فهناك من بات يستسهل رمي قنبلة على صديقه إثر خلاف شخصي، كما لو أن الناس فقدوا حقاً الإحساس بقيمتهم وباتوا يقبلون التحوّل إلى مجرمين من أجل أسبابٍ تبدو في الظاهر واهية وعرضيّة. رغم كل ما قيل يبقى تفسير ارتفاع معدلات الجريمة في سورية أعقد من أن يقال اعتباطياً، لكن الأكيد أن تراجع الإحساس بالكرامة والقيمة الإنسانية والضغط المادي غير المسبوق قادرٌ على إخراج أبشع ما في البشر وأكثر جوانب شخصياتهم ظلاماً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1041