علم التاريخ التوثيقي

عاش هيرودوت في القرن الخامس قبل الميلاد وترك لنا مؤلفاً في التاريخ يقع في تسعة أجزاء يسمى عادة «تواريخ» أو «ربات الفنون» أو «تاريخ هيرودوت». وهذا العمل مكرس في الأساس للحروب الميدية، لكن المؤلف يقوم فيه باستطرادات واسعة جداً حول تاريخ مصر وفارس والسكيتيين.
وكان ثمة مؤرخ مرموق آخر هو الأثيني توسيديدس (460 _ 395ق.م) هو مؤلف عمل كبير حول حرب البيلوبونيز (التي اشترك فيها). وعمل توسيديدس هو نموذج للنوع التاريخي. ونرى المؤلف قد استخدم فيه لأول مرة الطرائق والمناهج التي أصبحت كلاسيكية للنقد التاريخي. وهناك استحقاق كبير آخر لتوسيديدس هو حرصه الدائم على النزاهة وعدم التحيز.
ويجب أن نذكر أيضاً المؤرخ الأثيني زينزفون (430 – 355 ق.م)، مؤلف العديد من المباحث التاريخية وأشهرها «الهيللينيات»، ويحتوي على عمل توسيديدس.
وقد كتب أرسطو بدوره عدة مؤلفات تاريخية. وأغلبها لم يحفظ، ولكن من بين مؤلفاته التي وصلت إلينا نجد كتاب «سياسة الأثينيين»، وهو دراسة لتطور دولة أثينا، وقد عرض فيها بصورة منهجية مبادئ، تكون هذه الدولة، وهي دراسة مهمة بشكل خاص.
ورغم أهمية المعلومات الواردة أعلاه، فإن العديد من الباحثين يتهمون هيرودوت أبو التاريخ بأنه أول من زور التاريخ وأورد قصصاً لم تحدث قط، بل كانت من نسيج خياله. ومن جهة أخرى فإن تاريخ هيرودوت يحتوي على العديد من الآراء الفلسفية وصوراً من حياة الشعوب في الماضي البعيد. وتلك الآراء والصور مطبوعة بآراء هيرودوت نفسه في الفلسفة والتاريخ والسياسة.
لذلك فهو من جهة أبو التاريخ، ومن جهة أخرى هو أول من زور التاريخ. ونستطيع القول بأنه صاحب أول فهم مثالي معروف للتاريخ.

المراجع:
موجز تاريخ العالم. تأليف جماعة من المؤرخين السوفييت بإشراف البروفيسور مانفرد، أكاديمية العلوم السوفييتية، معهد التاريخ. الجزء الأول، المجلد الأول، ترجمة محمد عيتاني، دار الفارابي بيروت 1989، ص 70
تاريخ هيرودوت. ترجمة عبد الإله الملاح. أبو ظبي 2001