حديث بين تشارلي تشابلن وكارل ماركس
صدر فيلم الأزمنة الحديثة (Modern Times) لتشارلي تشابلن عام 1936، في أعماق فترة الكساد العظيم التي ضربت الولايات المتحدة الأمريكية. بدأ الفيلم بساعة تشير إلى بداية يوم العمل، وبجملة: «قصة الصناعة، مشروع فردي- تجتهد الإنسانية في السعي وراء السعادة».
ستيفن ستول
ترجمة قاسيون
إضرابات الكساد العظيم
في الوقت الحالي الذي يتوقع فيه البعض أن التداعيات الاقتصادية لوباء الفيروس التاجي يمكن أن تترك العديد من العاطلين عن العمل لأشهر أو سنوات، تعاني الطبقة العاملة بالفعل أسوأ ما في كل شيء، في أزمة اليأس المستمرة.
ويصور فيلم «الأزمنة الحديثة» الاغتراب وخيبة الأمل من الرأسمالية وتطبيق القانون، وعالم العمل الصناعي الذي سبب الفشل للطبقة العاملة، حيث لعب تشارلي تشابلن دور العامل في الفيلم الذي يتحدث عن رسالة من فجر القرن الأمريكي، حيث الطبقة العاملة تقاتل من أجل البقاء، ولم تستطع الصناعة تحقيق السعادة لهم.
يرتدي تشابلن الشارب نفسه، والقبعة نفسها، والمعطف الضيق الذي قدمه في أحد أفلام عام 1914، ولكن في عالم أقسى بكثير. حيث الانهيار المالي والصراع الطويل الأمد بين العمل ورأس المال. ففي عام 1934 وحده، تصاعدت سلسلة من الإضرابات المذهلة إلى مواجهات بين العمال والشرطة، مثل: إضراب مينابولس العام، وإضراب عمال تفريغ السفن في الساحل الغربي، ومعركة الشوارع بين عمال السيارات والحرس الوطني في توليدو. ويشير فيلم «الأزمنة الحديثة» إلى البنية التي أنتجت العنف، والاغتراب، والقسوة، والفقر، تلك الظواهر المستوطنة في حياة الطبقة العاملة في الولايات المتحدة.
الناقد الاجتماعي الآخر
أثناء مشاهدتي لفيلم «الأزمنة الحديثة» واليـأس الذي دفع العمال للدفاع عن أنفسهم، فكرت في كتاب لناقد اجتماعي آخر لم يستطع شابلن قراءته. إذ لم تُنشر مخطوطات كارل ماركس الاقتصادية والفلسفية لعام 1844 حتى عام 1932 ولم تُنشر باللغة الإنجليزية حتى عام 1960. إنها سلسلة من الملاحظات التي قام فيها الفيلسوف البالغ من العمر ستة وعشرين عاماً بتدوين أفكاره الأولى حول الحياة والعمل، وما يعنيه أن يكون الإنسان في لحظة تغيير غاضب.
في هذه الملاحظات، تصارع ماركس أيضاً مع أكبر إلهام له، جورج هيغل. بعد وصوله إلى ما يُعرف الآن بجامعة هومبولت في برلين عام 1836، أمضى ماركس وقتاً طويلاً في جدال المقاهي مع غيره من الشباب الهيغليين. كتب معظمهم عن الناس على أنهم فكريون أو روحانيون، كما فعل هيجل. لكن ماركس يبدأ بالإنسان: «الإنسان كائن طبيعي بشكل مباشر». كما رفض نسخة الطبيعة البشرية التي روج لها آدم سميث وجون ستيوارت ميل، والتي عرَّفت البشر على أنهم يسعون إلى الربح بطبيعتهم.
نظر ماركس إلى الصفات العابرة التي اكتسبها الإنسان من خلال العيش في مجتمع، حيث الطعام والمنزل، والحب والرفقة، والعمل الهادف والقليل من المرح. اكتسب البشر الذين عاشوا في المجتمعات الصناعية الطعام والمنزل من الأموال التي يكسبونها من العمل. ولكن ماذا حدث عندما فشل التقسيم الصناعي للعمل في تلبية هذه الحاجات؟ ماذا حدث عندما قوض العمل الحب والمرح؟
عامل الأزمنة الحديثة
يتأمل فيلم الأزمنة الحديثة في هذه الأسئلة. الأمر يتعلق حقاً باحتياجاتنا الأساسية، دافعنا لعدم تجريدنا من الإنسانية. فالعامل يدير البراغي يصنع شيئاً لا نراه أبداً. يصرخ رئيس العمال في وجهه. ذبابة تضايقه. وكلما أسرع في تشغيل البراغي، زادت سرعة تحرك كل شيء. لا يمكنه إيقاف حركته المتكررة، عن طريق تدوير البراغي غير المرئية، حتى عندما يأخذ استراحة. فقط في تسلسل المصنع يتم تجريد العامل من الإنسانية. فقط على خط التجميع يتم الاستيلاء على قدراته البشرية لجعله امتداداً للمصنع نفسه.
يخبرنا شابلن وماركس: أن المصنع يشوه العامل، والعالم الذي تشكله السلعة والقوة الصناعية بشكل متزايد. يقول ماركس: يرتبط العامل بمنتج العمل كشيء غريب ... مهما كان نتاج عمله.
طوال بقية الفيلم، يلعب تشابلن بالاختيار الخاطئ بين الطعام والحرية. بعد إطلاق سراحه، وجد العامل نفسه في احتجاج في الشارع، وسجن لكونه شيوعياً. يجد أنه يفضل القوت والمأوى في السجن على الحرمان من البطالة لأن الحرية تعني الجوع بالنسبة إليه.
يصور سرقة رغيف خبز والهرب من الشرطة والتعرض للضرب. والحياة في الواجهة البحرية عن طريق سرقة الطعام من سفن الشحن وإطعام الأطفال الجوعى. يجلس العامل جائعاً لتناول وجبة عملاقة مع عدم وجود نية لدفع ثمنها، ثم يتصل بالشرطة لإلقاء القبض عليه. بينما يمسكه أحد الضباط من إحدى ذراعيه، يساعد نفسه على تدخين سيجار من كشك لبيع الصحف.
كل شيء مجاني في طريقك إلى السجن. إذا تم تقليص الحياة إلى سلسلة من الاعتقالات، فلا عواقب ولا عقد اجتماعي. وفي وقت لاحق، عندما تمّ تعيين العامل كحارس ليلي في متجر متعدد الأقسام، اقتحمت مجموعة من الرجال المسلحين المكان وبدأت بإطلاق النار على المكان. ومن بينهم بيغ بيل، رفيقه من المصنع، يعرفه العامل. ويقول بيغ بيل: نحن لسنا لصوصاً نحن جائعون. إنها بذرة تمرد كتيبة عاطلة عن العمل تجوب الليل.
كان ماركس يدرك الوضع المأساوي، الرجل الذي بلا رأس مال، يعيش من خلال العمل فقط ... يعتبره الاقتصاد عاملاً فقط ... لا يعتبره كإنسان عندما لا يعمل، ويمثل العامل الذي يخرج عن الكسب مشكلة للرأسمالية والدولة.
نحن نسميهم عاطلين عن العمل، صورهم تشابلن يتعرضون للمضايقات باستمرار من قبل المقرضين وأصحاب العقارات الذين يسعون للحصول على الإيجار، والمحاكم. ولا يجادل ماركس ضد العمل، بل لصالح العمل الذي يحافظ على الحياة ويعبر عنها.
واليوم، تُسرع شريحة بالنزول إلى الأسفل، وقد يواجه أكثر من 20 مليون شخص- ما يقرب من 20 % من 110 ملايين أمريكي يعيشون في منازل مستأجرة- التشرد وفقاً لتحليل يعتمد على بيانات حديثة. هذا ما يفكر فيه الناس. هذا ما يقلقهم. كيف سيدفعون الإيجار اليوم؟
*ستيفن ستول، بروفيسور التاريخ في جامعة فوردهام الخاصة في نيويورك «جامعة تملكها الكنيسة الرومانية الكاثوليكية»
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 988