إيقاف «المتقاعدين» عن العمل الفني والإعلامي (الحكومي).. ضرر يصيب أقساماً واسعة من الإذاعة والتلفزيون..!

للتقيد بمضمونه والعمل على التنفيذ الفوري والانتباه إلى ملاحظة: (يعتبر كل من لم يرد اسمه قد سقط سهواً ويعامل معاملة نظرائه)»..
العاملون في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، سواء من يشملهم القرار، أو من لا يشملهم، تلقوا الأمر الإداري الذي لم يناقشهم به أحد من قبل أو من بعد، بكثير من الذهول والدهشة، أولاً بسبب لغته المتعالية وخلوّه من الحكمة والإنصاف، خصوصاً وأن جميع المخضرمين الذين قامت الهيئة بجميع أقسامها على أكتافهم سوف يتم رميهم بكل بساطة دون أي تقدير أو تكريم، وثانياً ليقينهم أن أقساماً بكاملها سوف تتضرر منه جزئياً أو كلياً لعدم وجود بدائل حقيقية (الأقسام الأجنبية نموذجاً).. وزاد من هذه الدهشة مسارعة مدير الإذاعة لإيقاف بعض المبدعين عن العمل، من أمثال: فاروق حيدر، مروان قنوع، فاضل وفائي، محمد عنقا، عدنان دياب، ثراء دبسي.. وغيرهم.. رغم أن بعضهم لم يكن موظف أصلاً، وغير متقاعد من وزارة الإعلام بالمعنى الإداري، ناهيك عن الفني.. هناك من يؤكد أن ضغط المصاريف هو الدافع للقرار، فإذا كان الأمر كذلك، فكان من الأجدر إمعان البصيرة في السقوف المفتوحة لبعض العقود، وضبط مصاريف سيارات المدراء والتكاليف الباهظة للمهرجانات، وليس إعادة النظر بمخصصات (البونات)، وهي الأقل غالباً بين مثيلاتها، علماً بأن نظام (البونات) هو حل عملي خاص اعتمده النظام الداخلي للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، يجري بموجبه إيجاد صيغة مالية تقدّم تعويضات محددة بسقوف للكفاءات والكوادر الذين تتم الاستعانة بخبراتهم وإبداعاتهم.. وبذلك فإن القرار وضع سقفاً ميكانيكياً للإبداع، وهي سابقة لا مثيل لها في الحقل الإعلامي والفني، وإلا لاختفى كبار الإعلاميين المعروفين من كبرى مؤسسات الإعلام العربية..
وللوقوف على حيثيات القرار وأسبابه والنتائج التي ستنجم عنه، التقت قاسيون الفنانتين العريقتين ثراء دبسي وفايزة جاويش، وأجرت معهما الحوار التالي:
 
• ما هي أسباب ودوافع هذا القرار برأيكما؟
- ثراء دبسي: لا أعتقد أن هناك مبررات واضحة، ويمكنني الجزم بأن هذا القرار جائر وغير موضوعي!

• ألا يمكن أن يكون الدافع الحقيقي هو التخفيف من البطالة المقنعة وضبط المصاريف الزائدة وإفساح الفرصة أمام الشباب؟
ـ ثراء دبسي: لو كانت هذه الدوافع هي السبب، لأوقفوا عن العمل من لا يعملون، أما من يشملهم القرار فهم جميعاً منتجون وفعّالون وحضورهم أساسي.. يريدون فتح المجال أمام الشباب، ليكن، ونحن مع التطوير والتحديث والإصلاح، ولكن أين هؤلاء الشباب الذين نقف عقبة أمامهم؟ وهل قامت الهيئة بتدريب أو تأهيل أي منهم ليحل محل المخضرمين، وخاصة من الناحية الإبداعية؟
- فايزة جاويش: لا أحد ممن يشملهم القرار عالة على الهيئة.. وإنما هؤلاء هم أعمدة العمل في معظم الأقسام، وهم من تقوم معظم الأعمال على كواهلهم..

• ألا يوجد إقبال لدى الشباب من فنيين ودراميين للعمل في الهيئة، وفي الإذاعة تحديداً؟
ـ ثراء دبسي: لا يمكن لهذا الكلام أن يشمل الجميع، هناك بلا شك مجموعة من الشباب الطموحين والراغبين الذين يمتلكون القدرة والإمكانية الثقافية اللازمة للإبداع الإعلامي والدرامي، ولكن المشكلة لا تتعلق بالشباب أو بالكهول، بل بالمفهوم الخاطئ للمسألة، إذ ما هو الفن؟ الفن حياة، ولا يمكن نسف جذور حياة الفن، فعندما ننسف القديم، فنحن نقوم بنسف الجذور، ومن ليس له ماض، فليس له حاضر ولا مستقبل، والحياة لا تبنى على جيل الشباب فقط وإنما تبنى على أسس قوية ومتينة تساهم الأجيال كافة في صياغتها وقطف ثمارها، نحن تعلمنا من الجيل القديم وعطائه وخبرته، واستطعنا بناء أنفسنا وخبراتنا، وتعاونا مع الجيل الجديد وعلمناه، وبالنسبة لي، أنا أستحضر الشباب الموهوبين في جميع أعمالي لأنني أحب الشباب، ولكن الفن لا يمكن أن يكون فناً ما لم يكن هناك لحمة بين جميع المراحل العمرية..
إذا كان لدى البعض فكرة بأن هناك هدراً أو بطالة مقنعة فيجب تحديد العناصر التي تتسبب بالهدر، وتحديد مكامن البطالة المقنعة.. أما هذا القرار بصيغته الحالية ونتائجه المتوقعة فهو قاتل..

• ما التداعيات التي قد تنجم عن تطبيق هذا القرار، وتحديداً على مستوى الدراما الإذاعية؟
ـ فايزة جاويش: سوف تتراجع الدراما الإذاعية تراجعاً كبيراً، وهذا إذا لم تنته بالكامل من حيث النوعية. وأنا لا أتكلم الآن بلساني وحسب، وإنما بلسان شريحة مقتولة: لا يصح أن نلغي وجود جيل كامل.. هذا لا يجوز أبداً. الشباب بمعظمهم لا يندفعون للعمل في الإذاعة، إذ يعدونها أصغر من طموحاتهم الفنية والمعنوية والمادية..

• هل هناك ما يخطط المتقاعدون لعمله للاعتراض على القرار؟
ـ ثراء دبسي: نتمنى أن نستطيع إيصال أصواتنا إلى السيد رئيس الجمهورية، فهو بالتأكيد، لن يرضى أبداً بأن تنتهي شريحة كبيرة من الموهوبين الذين قدموا كل حياتهم وإبداعهم للبلد بهذه الطريقة اللاإنسانية، هل يمكن لأمريكا مثلاً أن تستغني عن أوبرا وإيستوود لتجاوزهما الستين؟ لا يمكن ذلك.. فهذا اسمه إعلام وفن، ولا يمكن معاملتهما كما تعامل القطاعات الأخرى مع احترامنا للجميع..
ـ فايزة جاويش: قرار إحالة المرء على التقاعد عند بلوغه الستين تم منذ زمن طويل، أي حين كان متوسط عمر الفرد منخفضاً، وقد ارتفع متوسط عمر الفرد هذه الأيام كثيراً، ولا يمكن التعاطي مع هذه الشريحة الناضجة فكرياً وإبداعياً بأنها غير قادرة على الإنتاج والإبداع، أما إذا اعتبرنا أن كل من يبلغ الستين من العمر يفقد لياقته الفكرية والجسدية، فإني أؤكد أن هناك مئات المسؤولين الرفيعين في جهاز الدولة تجاوزوا الستين ومازالوا على رأس عملهم.. أفليس من المفترض أن يحالوا هم أيضاً إلى التقاعد ولاسيما أنهم يتحكمون بمصائر الناس، بينما نحن لا نتحكم بمصير أحد؟
وبعيداً عن الموهبة والإبداع وغيرهما، أود الإشارة إلى موضوع المعيشة، إذ ليس هناك راتب تقاعدي يكفي المواطن لتأمين عيشه الكريم، فالمواطن العادي الذي يحال إلى التقاعد قد يبيع البسطرما أو يعمل سائقاً لسيارة أجرة، ومع تقديرنا لكل المهن، ولكنني لا أرى هذا لائقاً بالعاملين في مجال الإبداع الدرامي من مخرجين ومؤلفين أن يضعوا بسطة صبارة وينادوا على برودة صبارتهم! هذا ليس معقولاً لا بحقنا ولا بحق البلد التي ننتمي لها.
ـ ثراء دبسي: لا يجوز أن نمنع من تجاوز الستين عن العمل إذا كان ما يزال قادراً على العطاء.. خصوصاً إذا كان يقدم إضافات ولا يقف عقبة في وجه أحد.. وإلا فإن عدداً كبيراً من الفنانين السوريين الكبار ستخسرهم الحياة الفنية.. يجب إلغاء هذا القرار لأنه ليس تطويراً ولا تحديثاً.. إنما هو عكس ذلك تماماً..
ـ فايزة جاويش: يجب ألاّ يقر قرار من هذا النوع بمثل هذه السهولة، ويجب ألاّ ينفذ بهذه السرعة، بل من المفترض أن تكون هناك لجان لدراسته ودراسة آثار تنفيذه على المستويات كافة، لمعرفة تداعياته السلبية.
ـ ثراء دبسي: إنهم يهربون من مواجهة الاستحقاقات كما هي، يجب عليهم أن يكونوا جريئين لا أن يخلطوا الحابل بالنابل هروباً من المواجهة، يجب عليهم تحديد المقصرين والهادرين والسارقين والبلطجيين بعينهم، فنحن في دولة ذات قانون..هناك سوء إدارة للمشكلات وسوء تفسير للقرار أيضاً.. القرار جائر وتفسيره جائر أكثر.