يسري نصر الله لم أضع نفسي وصياً على أحد
فيلم جديد «باب الشمس» ليسري نصرالله يتابع تصويره حالياً في بيروت عن نص أدبي مكتوب، يقترب فيه من رؤية جديدة، يتحدث نصر الله في حوار أجري معه حول الفيلم أنه يرى أن هذا الفيلم قد يكون من أكثر أفلامه شبهاً به. فهو يتكلم على الجيل الذي انتمى إليه والذي لم يتكلم عنه الروائيون إلا نادراً. ولم أشعر بتاتاً في هذا الفيلم بأنني انحرفت عن الخط السابق. لا شك في أن هناك بعض التعرجات، إلا أن السكة هي نفسها.
وعن القضية الفلسطينية يجيب نصر الله؟ «القضية الفلسطينية كابوس عمره خمسون سنة، فأنا تربيت على عدم الكلام بحرية، لأن ثمة مشكلة كبيرة اسمها فلسطين. وباسم فلسطين أخضعتنا الأنظمة العربية. والطريف في الأمر أن الجميع يتكلمون على القضية الفلسطينية في الوقت الذي يكرهون الفلسطيني. عندما جئت لأصنع هذا الفيلم سمعت الكثيرين يقولون: ما هذا القرف؟ انهم قوم خونة باعوا أرضهم فلا نتدخل في هذه المهزلة. أما بالنسبة إلي، فالقضية الفلسطينية هي قضيتي أنا أيضاً، قضيتي كشخص جرى تأجيل طموحاته ورغباته من أنظمة تردد دوماً على مسمعه أن حل قضية فلسطين له الأولوية، وهي الأنظمة نفسها التي تعتبر العائق الأكبر في وجه حل هذه القضية. وعندما قرأت الرواية وجدت نفسي أمام أمر شديد الالتصاق بالواقع الذي عشته، إذ للمرة الأولى أشعر بأنني أمام شبه سيرة ذاتية للجيل الذي أنتمي اليه بأكمله».
ويجيب عن سؤال: هل تتحمل القضية الفلسطينية فيلماً إضافياً يحققه سينمائي غير فلسطيني بعد أفلام متميزة حققها فلسطينيون استعادوا بها سينماهم الى أحضانهم، إذ قيل دائماً أن السينما الفلسطينية آن لها أن تتخلص من وصاية غير الفلسطينيين؟
فيقول صاحب فيلم «المدينة» لم أضع نفسي وصياً على أحد، علماً أن هذا الأمر غير صحيح. فأنا سينمائي مهنته التكلم «الحواديت» وكلما وجدت «حدوتة» حلوة تكلمت عنها. من جهة ثانية لقد عشت هنا داخل المخيم من سنة 1978 لغاية 1982، أصدقائي هم من الفلسطينيين، أحبائي فلسطينيون، صحيح انني لست فلسطينياً أو ممن «يتشردقون» بالعروبة وبكل تلك الكلمات الطنانة، بمعنى لأنني عربي فأنا أتكلم على فلسطين، إنما على العكس ما شدّني هو الرواية، ولا يهمني إطلاقاً أن أعطي دروساً لأحد. وإذا تابعنا بهذا المنطق، فأكثر مكان أعرفه جيداً هو الزمالك وحمام بيتي، فهل يجوز أن نحرم مبدعاً من أن يخرج من حمامه، كل هذا كلام فارغ. «ويتابع»: أنا لا أتكلم في «باب الشمس» على القضية الفلسطينية إنما أتكلم على الفلسطينيين. ولنوضح الأمر: في الفترة التي عشت خلالها في لبنان وحتى قبلها أيام مشاركتي في التظاهرات الطلابية ضد السادات (الرئيس المصري السابق أنور) في مصر، كان الهم تمرير كامب ديفيد والصلح مع إسرائيل. كانت اللعبة التي تؤديها الأنظمة السياسية يومها تتعلق بأن الفلسطينيين خونة باعوا أرضهم. بمعنى أن هاجس الأنظمة هو القضية الفلسطينية، أما التعامل مع شعبها فأمر آخر. وعلى سبيل المثال، في لبنان، حباً بالفلسطينيين، يمنع القانون الفلسطيني من أن يعمل في 27 وظيفة، فلا يهم إن مات من الجوع إنما الأهم هو القضية الفلسطينية، وحباً بالقضية الفلسطينية يعتقل الفلسطيني في مصر لأنه لا يعرف مصلحته كما يعرفها النظام. وعلى هذا المنوال لا تملّ الأنظمة العربية التحدث عن القضية الفلسطينية، مع العلم انها تمارس انواع الاضطهاد على الفلسطينيين. من جهة أخرى هناك تزييف مرعب للتاريخ، علماً انني لا أضع نفسي كمدقق في التاريخ، فهل كل الفلسطينيين كانوا مُلاّك أراض؟ بالطبع لا. وبالتالي لماذا ننعتهم بالخونة وبأنهم باعوا أرضهم؟ ولو باعوا أرضهم فهل ينكر أحد تلك الحكاية المعقدة حول الملكية الزراعية في المشرق العربي منذ أيام الامبراطورية العثمانية. وأبسط مثال على ذلك هو عندما تنتزع اسرائيل ملكيات البيوت في القدس، فهي تنتزعها من المالك نتيجة ارتفاع الضرائب وعدم قدرته على سدّ دينه. وهكذا يأتي قرار المحكمة لينزع ملكيته ويسمى ذلك قانوناً انه باع بيته والحقيقة أن بيته سرق منه.