مقتطفات مما كتب عن فاتح المدرس  أيقونات أشبه بالقصائد

■ الشاعر نزيه أبو عفش:

أيقونات أِشبه بالقصائد. أيقونات حميمة بغير تفاخر، بسيطة .. إنما بعمق، كأنها رسائل أطفال حكم عليهم بالموت على مرآى من الآلهة نفسها.

هو ذا، في ظلام مشغله الغامض كقبور الفراعنة، يتأمل في شؤون كائناته بصمت، وحكمة، ونفاذ بصيرة، كقارئة ودعٍ عمياء.. كيفما حركت أصابعها تشم رائحة الزلزال.. 

كائنات نبيلة الوجوه، متكتمة، بسيطة، شبه بكماء، تعلك -صمت جليل - ألماً سرمدياً يجعلها شبيهة بوجوه ملائكة أيقونات الشرق القديم. 

أيقونات بشر عاديين، وديعين، واجمين كأنهم يتأملون في مصائرهم من خلال ثقب صغير في السماء .. او كأن عيناً متطفلة ترصد -من فوق- تقلبات وخواتيم هذه المصائر.

يبقونات - على عكس تلك التي تمجد الجبابرة وترفع من شأن مغتصبي الحياة تمجد الإنسان الصغير، المزدري، عديم الحيلة، الضائع في التيه. إن فاتح المدرس قادر، ببساطة وفطنة الأيقوني القديم، أن يجعل آلهة السموات التعيسة شبيهة بجميع من يدب على الأرض من بشر، وخراف ودجاج، وخيل وفراشات .. ونساء.

فنان متقشف في أدواته وفي أفكاره وعلو صيحته. متقشف في كل ما يفسد العمل الفني أو يثقله. متقشف كقديس

زاهد يقتات على فكرة وريقه نبات.. وبقاياه خبز منقوع بالخل والدموع.

مرهف وجسور كذئب بقميص فراشة، كنحلة طائشة بجناحين من نور.. وإبرة مذهبة لإشاعة السم. إبليس حقيقي بجناحين أزرقين يخدعان أشد الملائكة دهاء. محارب فذ حقيقي ينحدر من سلالات شياطين: يمسح الدمار بفرشاته، ويروض الوحش بالأغاني.

قاطع طريق جبلي

يقهر الليل بالتمائم ويخضع الخوف بالأغاني، ولكن.. دونما ادعاء، دونما أوهام بطولة، دونما جلبة قبل كل شيء.

الجلبة تمشي وراءه وتتعقبه مثلما يتعقبه المفسرون والـ«اذكياء» ومزينو الكلمات.. حيث تمر فرشاته على البياض فتبهر عقول الفلاسفة.

شاعر إبليس، مشعوذ خفيف العين واليد والعقل كمحطمي خزائن البنوك.. لكنه لا يسطو -من أنقاض الدنيا- إلاّ على النور .. صياد نور.. ومشعوذ.. إنما لا يرقِّص السعادين أو الأفاعي، ولا يخرج من سلته أرانب أو حماماً أو مناديل حمراء للعاشقات.

قصص فاتح كأفضل لوحاته

■ الأديب سعيد حورانيه:

في الخمسينات عندما ربحت لوحة فاتح الرائعة «كفر جنة» القرية المستلقية على جبال الشمال بألوانها العجيبة غير المألوفة، وبالنبض الحي لصخورها البنفسجية الهادئة والحمراء الحارة، أحس الجميع أن عهداً جديداً في الرسم السوري قد بدأـ في ذلك الوقت، وفي رابطة الكتاب السوريين، طُرح اسم فاتح المدرس لقبوله كعضو في الرابطة الأدبية!

واحتج أحد المكثرين المقلين:

- إنه لم يكتب سوى ثلاث قصص بعد.

ورددنا جميعاً بحماسة:

- ولكنها تعادل ثلاثة كتب!!

- وقبل فاتح بالإجماع في رابطة الكتاب السوريين.

ولذلك .. ما كان أشد فرحي عندما علمت بأن فاتح، قرر أن يجمع بعض قصصه التي كتبها في كتاب.

لننتبه ولا نقعن في خطأ فاحش، فنظن أن هذا العمل، قد طبع للذكرى والتاريخ، كما يفعل بعض صغار أدبائنا، فيجمعون ما لاكوه في مناسبة وغير مناسبة في الصحف والمجلات من كتابات سريعة، وأحياناً، فجة ذهب أوانها ولعلها ولدت ميتة، ويخالون أن قدمها شافع لها في أن يتحف بها الجيل الجديد!!

قصص فاتح كأفضل لوحاته، وبعضها كعود النعنع ورشو آغا، من أفضل ما كتب أدباء العربية على الإطلاق.

وليس من أخطائي الكثيرة المبالغة في التقييم.

■ «من مقدمة كتاب عود النعنع»

الإلحاح على عالم الطفولة

■ د. عفيف بهنسي:

لقد استمد فاتح ألوانه في خلفيات أعماله من الحقول في الشمال ومن الصحارى والواحات في الشرق واستأثرت القرية والبيت العتيق في أعماله، ذلك أن ذكريات الطبيعة كانت قد انطبعت في أعماق روحه وعاش معها في مرسمه الرطب المظلم فكانت الضياء الذي يشع من ألوانه وكانت الدفء الذي يتغلغل في عظامه.

شيء مثير في أعمال فاتح التي أحبها الناس دائماً، في الوطن وخارجه، هو هذا الإلحاح على عالم الطفولة، أتراه أخذ هذا من فنون الأقدمين التي رآها في متاحف سورية وهو ينتقل بين قاعات ماري وتل حلف والخويرة ورأس الشمرة حيث التماثيل الفطرية تعبر عن إنسان في بداية تكوينه الطيني فجاء فاتح لكي يعبر عن الإنسان في بداية تكوينه اللوني؟

أم هو ابنه الذي ولد طفلاً واستمر طفلاً أبداً لتشوه في خلقه ومات طفلاً بعد عذاب والديه، ابنه هذا أكان موضوع لوحاته كلها؟

ومهما كان الجواب. فإن فاتح في هذه الصيغة الطفولية، كان معانياً صادقاً تهافت الناس على شراء جميع لوحاته في جميع المعارض التي أقامها في سورية وفي ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، واصبحت كثيرة هي البيوت التي تفاخر بحيازة لوحة لفاتح فيها من الفن والجمال بقدر ما فيها من المأساة والشعر.

■ «من كتاب رواد الفن الحديث في البلاد العربية»

■ إعداد: عمرو سواح 

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.