ندوة تكريمية (متأخرة) للشاعر محمد الفراتي: احتفالية معاقة وتنظيم مشلول

قبل الحديث عن الندوة ومجرياتها وملابساتها.. والظلم والغبن الذي تعرض له الشاعر، حياً وميتاً، يجب أن نعرّف به، لنحقق له، ولو جزءاً بسيطاً من الحق لتاريخه النضالي، ولإبداعه الشعري..

 هو محمد بن عطا بن محمود بن عبود ولد ما بين 1880 و1890. درس في دير الزور وحلب، والأزهر، وتنقل ما بين سورية والعراق والجزيرة العربية والبحرين، قاوم الاستعمار العثماني والانكليزي والفرنسي، فتعرض للسجن والنفي .

كتب الشعر والنثر، كما مارس الترجمة عن الفرنسية والفارسية، عاصر في دير الزور المفكر التقدمي «ثابت عزاوي»، وفي البلدان العربية طه حسين والمازني وحافظ إبراهيم والرهاني وأحمد شوقي والزهاوي، لقب بالفراتي، فصار هو ونهر الفرات صنوين.

.. فما سبب الظلم والغبن الذي تعرض له؟ هل لأنه كان يعيش في دير الزور، بعيداً عن المركز؟ أم لأنه لم يكن مدّاحاً، فتجاهلته وسائل الإعلام والثقافة؟ أم الاثنين معاً؟

هذه مسألة برسم القائمين على الثقافة والإعلام، الذين يصرفون الأموال الطائلة على مهرجانات «الهشك بشك» ويبرزون المنافقين والدجالين.. والمدّاحين، أو أصحاب الثقافة الاستهلاكية بأشكالها المتعددة على نمط «ستار أكاديمي».

فحتى هذه الندوة التكريمية يمكن أن نقبلها انسجاماً مع المثل القائل: «أن تأتي متأخراً أفضل من ألاّ تأتي»،.. لكنها للأسف جاءت «مسلوقة سلقاً» كما أغلب موضوعاتها والتي عبّر عنها أحد المشاركين د. فاروق المغربي، بل وأن المشاركين من خارج القطر.. جميعهم غابوا؟! فعلى أي أساس تم اختيارهم.. أم أنها كانت أسماء وهمية؟ وضعت لغايات أخرى؟ أم أن مزمار الحي لا يطرب، ولدينا كوادر نقدية محلية وعلى مستوى الوطن غُيبت، فلمصلحة من؟ ولماذا؟ هذا السؤال أيضاً برسم السيد الوزير.. وبرسم رئيس اللجنة المنظمة.

وأيضاً قبل الدخول في حيثيات الندوة وموضوعاتها سنتحدث عن الإجراءات.. والتنظيم وأولها «التوقيت» السيء لها فالامتحانات الانتقالية كانت جارية.. والامتحانات الثانوية والجامعية على الأبواب، مما حرم الطلاب وأسرهم من متابعتها، بالإضافة لظروف «الاستفتاء» فبدت وكأنها عبث.. أو رفع عتب، أو في أحسن الأحوال «استعراض» واختيار الأسماء المشاركة مع تقديرنا واحترامنا للجميع كان خاضعاً على ما يبدو للعلاقات الشخصية.. فقط.

.. وفي التنظيم كانت الندوة مثالاً للفوضى «الخلاقة» بدءاً من اختيار مواعيد الجلسات في الساعة السادسة مساءً إلى تغيير المكان إلى أجهزة الصوت، وعدم التقيد بالبرنامج والتأخير في الجلسات نصف ساعة على الأقل في عدم احترام واضح لا للمكرّم ولا للحضور ناهيك عن ضعف التغطية الدعائية والإعلامية.. واقتصار حضور المسؤولين على جلسة الافتتاح!؟

وهنا لا بد من التنويه أن هذه الندوة قامت بدعم من رجل الأعمال الديري «حسان العلي» نتيجة علاقات خاصة بالأستاذ فؤاد بلاط، ووزير الثقافة عندما كان سفيراً في الإمارات وإذ نقدم له «الشكر» في بادرته هذه باستثناء لا يفوقه أي ربح مادي وهي خطوة مختلفة أهدافها عن دعاة «الاستثمار» القائم على الربح على حساب أبناء الشعب والوطن.. لكن يحق لنا أن نتساءل أين خطة الوزارة في تكريم المبدعين الأحياء منهم.. والأموات.

في الجلسة الأولى لم تقدم الشهادات لنا أية إضاءة عن حياته ومواقفه خلافاً للمعلوم عنه.أما الأبحاث فجاءت نسخة مكررة، على سبيل المثال ،الأستاذة رجاء شاهين قدمت لنا موضوعاً إنشائياً عاطفياً خالياً من أي تحليل، أو قراءة لحياة الفراتي ومواقفه، والأستاذ عبد الله الشاهر لم يخرج عن إطار السرد المعلوماتي، بل اضطر للقفز عن بعض الفقرات بسبب الوقت المحدد.

 وكانت الجلسة الثانية متميزة أكثر، وكذلك الجلسة الثالثة التي كان (محورها الفراتي باحثاً ومترجماً)، وقد تطرق فيها الدكتور محمد التونجي لترجماته الفارسية لسعدي وحافظ الشيرازي، وخاصة «كلستان»، والدكتور عبد النبي اصطيف لترجمته «البستان»، والبحثان كانا واسعين وأكاديميين يستحقان التقدير، وفي النقد الخاص بمحمد الفراتي قدم الدكتور، عبد الله أبو هيف رئيس اللجنة المنظمة للندوة، بحثاً بسيطاً تناول الدراسات النقدية التي تناولت شعر الفراتي.

وعلى هامش الندوة أقيم معرض فني.. وأمسية شعرية.

المعرض: قسم منه تناول بعض أبيات الفراتي لبضعة خطاطين «غلب عليها الخط الفارسي» والقسم الآخر لوحات للفنان محمد كناش عن البيئة والتراث، ولعل أبرزها اللوحات المشغولة بالسكين في الحركة واللون والإضاءة، وقد حررته من الدخول في التفاصيل التي لم تكن بمستوى فني إبداعي.. وإنما مدرسي في بقية اللوحات.

الأمسية الشعرية: غابت عنها الشاعرة العراقية ساجدة الموسوي، وشارك فيها عصام كرشماني من فلسطين، وتميم صائب وعبد القادر الأسود ومروان خاطر من سورية.

تلك أهم أحداث الندوة ولعل الإضاءة المهمة هو تصريح الدكتور عبد النبي اصطيف رئيس هيئة الكتاب بأنه ستتم طباعة أعمال الفراتي كاملة.. وسيعاد الاعتبار له.

ديرالزور

 

آخر تعديل على الإثنين, 14 تشرين2/نوفمبر 2016 21:36