محمد سامي الكيال محمد سامي الكيال

رواية «برهان العسل» سافرةً... دون حجاب!!

حمل برنامج الندوات المرافقة لمعرض الدار البيضاء للكتاب في هذا العام مفاجأةً غير متوقعة بالنسبة للكثيرين، حيث ستلتقي الشاعرة والروائية السورية المثيرة للجدل سلوى النعيمي مع الجمهور المغربي، ضمن ندوة عن تجربتها الأدبية عموماً، وعن روايتها الشهيرة «برهان العسل» بشكل خاص، وهي الرواية التي سبق منعها في سورية، وفي عدد كبير من الدول العربية. هذه الخطوة التي ستتم برعاية وزيرة الثقافة المغربية ثريا جبران، أثارت الكثير من الجدل، وطرحت مجدداً  قضية حرية التعبير في الثقافة العربية، وموقف الأنظمة السياسية الحاكمة منها.

لن نتوقف كثيراً هنا عند إدانة سياسات المنع والحجب التي تمارسها السلطة في مجتمعاتنا، بقدر ما سنحاول أن نبين أثرها في تشويه خطابنا الثقافي المعاصر، حتى في جوانبه التي من المفترض  بها أن تحمل المضامين الأكثر تحرراً واستنارة، ففي قضية الأدب الأيروتيكي التي باتت مؤخراً تشغل بال الكثير من مثقفينا، تؤدي القيود والتابوهات الكثيرة، التي تعمل على توسعة مساحة المسكوت عنه ثقافياً، إلى إحاطة كل أشكال القول في هذا المجال بهالة كبيرة من اللا اعتيادية والغرائبية، مما يعطيها في وعينا حجماً يفوق حجمها الطبيعي، وهكذا فقد باتت تحكم عملية إنتاج وتلقي النص الأيروتيكي معايير غير متوافقة بالضروروة مع معايير الإتقان والتذوق الأدبي، بقدر ما هي مرتبطة بمداعبة أو استفزاز العقد المترسخة في لاوعينا الاجتماعي، وبهذا تتحول المسألة إلى مجرد مسألة «تجرؤ» على الخوض في الموضوع، أو استفظاع لهذا «التجرؤ»... نحن لا نتحدث هنا عن الأساليب «المثلى» المفترضة لتناول ومعالجة موضوع الجنس أدبياً، أو عن قيام بعض الكتَّاب بابتذاله بغرض الإثارة والشهرة، فهذا الحديث لا يكتسب أهميةً كبيرة في ظل غياب المعايير والمفاهيم النقدية المناسبة، ذلك الغياب الناتج عن الوضع اللاطبيعي الذي يُحشر به الأدب الأيروتيكي، مما يمنعه من رؤية النور بشكل سليم، ويعيق اتخاذ موقف نقدي جدي من الكتابات التي تنشر تحت عنوانه. 

وبغض النظر عن تناقض التقييمات التي حظيت بها رواية برهان العسل، فمن الملاحظ أن معظم هذه التقييمات لم تهتم بها كعمل أدبي، بقدر ما عالجتها كظاهرة مثيرة في الفضاء الثقافي العربي، فاندفع النقاد للحديث عن حق الكاتب في التعبير وتحطيم التابوهات، أو  للتذكير بأن لحرية الكتابة حدوداً، دون أن يُعنى الكثير منهم بتقديم مقاربة نقدية للرواية من الداخل، وهكذا ضاعت الرواية وسط ضجيج وفوضى الصراعات الدونكشوتية عن حرية تعبير تفتقد لأي سياق مفاهيمي فعلي.

ربما كان لمنع تداول الرواية الأثر الأكبر في  خلق شهرتها، وفي إكسابها جمهوراً كبيراً من القراء، ولكن الرواج في مثل ذلك الشرط من التلقي، يضيِّع حق الكاتب في أن تلقى صنعته الأدبية حقها من التقدير، وفي أن يتم تذوق جماليات نصه تذوقاً حقيقياً، هذا بالطبع إذا كانت هذه الهواجس تحتل مكانةً أساسية على سلم أولويات الكاتب!! وهنا يحق لنا أن نضع العديد من علامات الاستفهام عند تصريح سلوى النعيمي الأخير لجريدة «الأخبار» اللبنانية، حيث قالت رداً على سؤال متعلق بشعورها حيال نجاح روايتها الكبير، بعد سنوات طويلة من نشرها لدواوين شعرية غير رائجة: «لقد كانت الرواية (وتقصد برهان العسل) انتقاما من كل سنوات الشعر»؟!!

وبالعودة إلى موضوع الندوة المزمع عقدها في المغرب، فإن هذا الأسلوب في التعاطي مع مثل هذه الظواهر الثقافية، يحمل بالتأكيد الكثير من الإيجابيات، فهو بإفراده مساحةً علنية ذات طابع رسمي لهكذا تجربة، يساهم بشكل فعال في التخفيف من حدة التوتر الذي يحيطها، ويقلل من الظلال العجائبية التي تلفها نتيجةً لتمركزها في المناطق المحرمة، مما يمكِّنها من اتخاذ موضعها الصحيح، والظهور بحجمها الفعلي.

كان بودنا أن نلقى سلوى النعيمي في بلدها الأم سورية، بدلاً من أن ننتظر سماع أخبارها من على بعد آلاف الأميال، ولكن يبدو

أن العاصمة السابقة للثقافة العربية باتت أكثر ضيقاً من أن تفرد لأبنائها «العاقين» فسحةً لإمكانية القول.